الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{۞وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمۡ هُودٗاۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥٓۚ أَفَلَا تَتَّقُونَ} (65)

قوله تعالى : { أَخَاهُمْ هُوداً } : " أخاهم " نصب بأَرْسَلْنا الأولى كأنه قيل : لقد أرسلْنا نوحاً وأرسلْنا إلى عادٍ أخاهم ، وكذلك ما يأتي من قوله { وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ } [ الأعراف : 73 ] { وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً } [ الأعراف : 85 ] { وَلُوطاً } [ الأعراف : 80 ] ويكون ما بعد " أخاهم " بدلاً أو عطف بيان . وأجاز مكي أن يكونَ النصبُ بإضمار " اذكر " وليس بشيء ؛ لأن المعنى على ما ذكرْتُ مع عدم الاحتياج إليه .

و " عاد " اسم للحَيِّ ولذلك صَرَفَه ، ومنهم مَنْ جعله اسماً للقبيلة ، ولذلك منعه . قال :

لو شَهْدَ عادَ في زمانِ عادِ *** لابْتَزَّها مَبارِكَ الجِلادِ

وعاد في الأصل اسم للأب الكبير ، وهو عاد بن عوص بن أرَم ابن سام بن نوح فسُمِّيت به القبيلةُ أو الحيّ ، وكذلك ما أشبهه من نحو " ثمود " إنْ جَعَلْته اسماً لمذكَّر صَرَفْتَه ، وإنْ جَعَلْته اسماً لمؤنث مَنَعْته . وقد بَوَّب له سيبويه باباً . وأمَّا هود فاشتهر في ألسنة النحاة أنه عربي ، وفيه نظرٌ ؛ لأن الظاهرَ من كلام سيبويه لمَّا عَدَّه مع نوح ولوط أنه أعجمي ، ولأنَّ أبا البركات النسَّابة الشريف حكى أن أهل اليمن تزعم أن يَعْرُبَ ابنَ قحطان بن هود هو أولُ مَنْ تكلم بالعربية وسُمِّيت به العَرَبُ عَرَباً ، وعلى هذا يكون " هود " أعجمياً ، وإنما صُرِفَ لِما ذُكر في أخويه نوح ولوط . وهود اسمه عابر بن شالح بن أرفخشد بن سام بن نوح ، فمعنى " أخاهم " أنه منهم . ومَنْ قال : إنه مِنْ عاد في النسب فالأخوة ظاهرة .

وهنا " قال " بغير فاء وقد تقدَّم أنها مُرادةٌ . وقال الزمخشري : " فإن قلت : لِمَ يُحْذَفُ العاطفُ من قوله " قال يا قوم " ولم يقل : فقال ، كما في قصة نوح ؟ قلت : هو على تقدير سؤال سائل قال : فما قال لهم هود ؟ فقيل له : " قال يا قوم " . انتهى . وعلى هذا فلا تُقَدَّر هذه الفاءُ البتة .