قوله " أخَاهُمْ " نصب ب " أرْسَلْنَا " الأولى ، كأنه قيل : لقد أرسلنا نُوحاً ، وأرسلنا إلى عادٍ أخاهُم ، وكذلك ما يأتي من قوله : { وإلى ثَمُودَ أَخَاهُمْ } [ الأعراف : 73 ] ، { وإلى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً } [ الأعراف : 85 ] { وَلُوطاً } [ الأعراف : 85 ] ، ويكونُ ما بعد " أخَاهُم " بدلاً أو عطف [ بيان ] . وأجاز مكيٌّ{[16402]} أن يكون النَّصْبُ بإضمار " اذْكُرْ " وليس بشيء لأنَّ المعنى على ما ذكرنا مع عدمِ الاحْتِيَاجِ إليه .
و " عاد " اسم للحيِّ ، ولذلك صَرَفَه ، ومنهم من جعله اسْماً للقبيلة ولذلك [ منعه ] قال : [ الرجز ]
شَهْدَ عَادَ فِي زَمَانِ عَادِ *** لابْتَزَّهَا مَبَارِكَ الجِلادِ{[16403]}
وعاد في الأصل اسم الأب الكبيرِ ، وهو عادُ بْنُ عوصِ بْنِ إرمِ بْنِ سَامِ بن نوُحٍ فسُمِّيت به القبيلةُ ، أو الحيّ .
وقيل : عادُ بْنُ أرمٍ بْنِ شَالِخ بِنْ أرفخشد بْنِ سَامِ بْنِ نوح وهودُ بْنُ عبد الله بْنِ رَبَاحِ بْنِ الجَارُودِ ابْنِ عَادِ بِنْ عوص بن إرمٍ بْنِ سَامِ بْنِ نُوح ، وهي عادٌ الأولى ، وكذلك ما أشبهه من نحو " ثَمُود " إن جَعَلْته اسماً لمذكَّر صَرَفْتَه ، وإن جعلته اسماً لمؤنث مَنَعتهُ ، وقد بَوَّبَ له سيبويه باباً{[16404]} .
وأمّا هو فاشتهر في ألْسِنَةِ النُّحَاةِ إنه عَرَبِيٌّ ، وفيه نظر ؛ لأن الظَّاهِرَ من كلام سيبويه{[16405]} لمَّا عَدَّه مع نُوح ، ولوط أنَّهُ أعجمي ، ولأن : أبَا البركاتِ النَّسَّابَةَ الشَّريفَ حكى : أن أهلَ اليمن تزعم أن يعرب بن قحطان بن هود هو أول من تكلم وسميت به العرب عربا ، وعلى هذا يكون " هُودُ " أعجمياً ، وإنَّمَا صُرِفَ لما ذكر في أخوته نوحٍ ولُوطٍ .
وهود اسمه عابرُ بْنُ شَالِح بْنِ أرفخشد بْنِ سَامِ بْنِ نُوحٍ .
اتَّفقوا [ على ] أن هوداً ما كان أخاهم في الدِّين ، واختلفوا في أنَّه هل كان هناك قَرَابَةٌ أم لا .
قال الكَلْبِيُّ : " كان واحداً منهم " {[16406]} .
وقال آخرون : كان من غيرهم ، وذكروا في تفسير هذه الأخوة وجهين{[16407]} :
الأول : قال الزَّجَّاجُ{[16408]} : كان من بني آدم ، ومن جِنْسِهِمْ ، لا من الملائكة ، ويكفي هذا القَدَرُ في تسمية الأخوة ، والمعنى : أنّا بعثنا إلى عادٍ واحداً من جنسهم ، لِيَكُون الفَهْمُ والأنس بكلامه وأفعاله أكْمَلُ ، ولم يبعث إليهم من غير جنسهم مثل ملك أو جني .
قال ابن إسحاق : وكان أوسطهم نَسَباً ، وأفْضَلَهُم حُسْناً .
روي أن عاداً كانت ثلاثَ عَشْرَةَ قبيلةً ينزلون الرِّمال ، وكانوا أهل بساتين وزروع وعمارةٍ ، وكانت بلادهم أخصبَ البلاد ، فسخط الله عليهم ؛ فجعلهم مفاوز لأجل عبادتهم الأصْنَامَ ، ولحق هود حين أهلك قومه بمن آمن معه بِمَكَّةَ ، فلم يزالوا بها حتى ماتوا .
الثاني : " أخاهم " أي صاحبهم ، ورسولهم ، والعرب تسمِّي صاحب القوم أخَا القَوْم ، ومنه قوله تعالى : { كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا } [ الأعراف : 38 ] أي : صاحبتها ، وقال عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ : " إن أخَا صداء قَدْ أذن " يريدُ صَاحِبَهُمْ{[16409]} .
اعلم أنَّ عاداً قوماً كانوا باليمينِ بالأحقاف .
قال ابن إسحاق : " والأحقافُ : الرَّمْلُ الذي بين عُمَان إلى حضرموت " {[16410]} .
واعلم أن ألفاظ هذه القصَّةِ موافقة للألْفَاظِ المذكورة في قصَّةِ نوح - عليه السَّلامُ - إلا في أشياء .
[ الأول ] : أن في قصَّة نُوحٍ : " فقال يا قَوْم " بالفاء ، وهنا قال بغير فاء ، فالفرق أنَّ نُوحاً - عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ - كان مواظباً على دعوتهم ، وما كان يؤخر الجواب عن شبهاتهم لحظة واحدة ، وأما هودٌ فلم يبلغ إلى هذا الحدِّ ؛ فلا جرم جاء بفاء التعقيب في كلام نُوح دون كلام هود .
قال الزَّمَخْشَرِيُّ : فإن قُلْتَ : لم حذف العَاطِف من قوله [ قال يا قوم ] ولم يقل " فقال " كما في قِصَّةِ نوح .
قلت : هو على تَقْدير سُؤالِ سائلٍ قال : فما قال لهم هود ؟ فقيل : له : " قال يا قوم " .
الثاني : قال في قصة نوح : { مَا لَكُمْ مِّنْ إله غَيْرُهُ إني أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } ،
وهنا قال : " أَفَلاَ تَتَّقُونَ " ، والفرقُ بينهما أنَّ قبل نوح لم يظهر في العالم مثل تلك الواقعةِ العظيمةِ ، وهي الطُّوفَانُ العظيم ، فلا جرم أخبر نُوحٌ عن تلك الواقعة فقال : { إني أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } .
وأمّا واقعة هود - عليه السَّلامُ - فقد سبقتها واقعة نوح ، وكان عهد النَّاسِ بتلك الواقعة قريباً ، فلا جرم قال : " أفَلاَ تَتَّقُونَ " أي : تعرفون أنَّ قوم نوح لمَّا لم يتقوا الله ولم يطيعوه أنْزل بهمْ ذلكَ العذاب الذي اشتهر خَبَرُهُ في الدُّنْيَا ، فكان ذلك إشَارَةً إلى التَّخْوِيفِ بتلك الوَاقِعَةِ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.