معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ ءَاتَيۡنَٰهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ يَعۡرِفُونَهُۥ كَمَا يَعۡرِفُونَ أَبۡنَآءَهُمُۘ ٱلَّذِينَ خَسِرُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ فَهُمۡ لَا يُؤۡمِنُونَ} (20)

قوله تعالى : { الذين آتيناهم الكتاب } ، يعني : التوراة والإنجيل .

قوله تعالى : { يعرفونه } ، يعني محمداً صلى الله عليه وسلم بنعته ، وصفته .

قوله تعالى : { كما يعرفون أبناءهم } ، من بين الصبيان .

قوله تعالى : { الذين خسروا } ، غبنوا .

قوله تعالى : { أنفسهم فهم لا يؤمنون } ، وذلك أن الله جعل لكل آدمي منزلاً في الجنة ، ومنزلاً في النار ، فإذا كان يوم القيامة جعل الله للمؤمنين منازل أهل النار في الجنة ، ولأهل النار منازل أهل الجنة في النار ، وذلك الخسران .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ ءَاتَيۡنَٰهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ يَعۡرِفُونَهُۥ كَمَا يَعۡرِفُونَ أَبۡنَآءَهُمُۘ ٱلَّذِينَ خَسِرُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ فَهُمۡ لَا يُؤۡمِنُونَ} (20)

لما بيَّن شهادته وشهادة رسوله على التوحيد ، وشهادةَ المشركين الذين لا علم لديهم على ضده ، ذكر أن أهل الكتاب من اليهود والنصارى . { يَعْرِفُونَهُ } أي : يعرفون صحة التوحيد { كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ } أي : لا شك عندهم فيه بوجه ، كما أنهم لا يشتبهون بأولادهم ، خصوصا البنين الملازمين في الغالب لآبائهم .

ويحتمل أن الضمير عائد إلى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ، وأن أهل الكتاب لا يشتبهون بصحة رسالته ولا يمترون بها ، لما عندهم من البشارات به ، ونعوته التي تنطبق عليه ولا تصلح لغيره ، والمعنيان متلازمان .

قوله { الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ } أي : فوتوها ما خلقت له ، من الإيمان والتوحيد ، وحرموها الفضل من الملك المجيد { فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ } فإذا لم يوجد الإيمان منهم ، فلا تسأل عن الخسار والشر ، الذي يحصل لهم .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ ءَاتَيۡنَٰهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ يَعۡرِفُونَهُۥ كَمَا يَعۡرِفُونَ أَبۡنَآءَهُمُۘ ٱلَّذِينَ خَسِرُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ فَهُمۡ لَا يُؤۡمِنُونَ} (20)

ثم قال مخبرًا عن أهل الكتاب : إنهم يعرفون هذا الذي جئتهم{[10605]} به كما يعرفون أبناءهم ، بما عندهم من الأخبار والأنباء عن المرسلين المتقدمين والأنبياء ، فإن الرسل كلهم بَشَّروا بوجود محمد{[10606]} صلى الله عليه وسلم وببعثه{[10607]} وصفتة ، وبلده ومُهَاجَرِه ، وصفة أمته ؛ ولهذا قال بعد هذا : { الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ } أي : خسروا كل الخسارة ، { فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ } بهذا الأمر الجلي الظاهر الذي بشرت به الأنبياء ، ونوهت به في قديم الزمان وحديثه .


[10605]:في أ: "جئتكم".
[10606]:في م: "النبي".
[10607]:في أ: "وبنعته".
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ ءَاتَيۡنَٰهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ يَعۡرِفُونَهُۥ كَمَا يَعۡرِفُونَ أَبۡنَآءَهُمُۘ ٱلَّذِينَ خَسِرُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ فَهُمۡ لَا يُؤۡمِنُونَ} (20)

{ الذين } رفع بالابتداء وخبره { يعرفونه } و { الكتاب } معناه التوراة والإنجيل وهو لفظ مفرد يدل على الجنس ، والضمير في { يعرفونه } عائد في بعض الأقوال على التوحيد لقرب قوله : { قل إنما هو إله واحد } [ الأنعام : 19 ] وهذا استشهاد في ذلك على كفرة قريش والعرب بأهل الكتاب ، و { الذين خسروا } على هذا التأويل منقطع مرفوع بالابتداء وليس من صفة { الذين } الأولى ، لأنه لا يصح أن يستشهد بأهل الكتاب ويذمون في آية واحدة .

قال القاضي أبو محمد : وقد يصح ذلك لاختلاف ما استشهد فيه بهم وما ذموا فيه ، وأن الذم والاستشهاد ليسا من جهة واحدة ، وقال قتادة والسدي{[4860]} ، وابن جريج : الضمير عائد في { يعرفونه } على محمد عليه السلام ورسالته ، وذلك على ما في قوله : { وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم } [ الأنعام : 19 ] فكأنه قال وأهل الكتاب يعرفون ذلك من إنذاري والوحي إليَّ ، وتأول هذا التأويل عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، يدل على ذلك قوله لعبد الله بن سلام إن الله أنزل على نبيه بمكة أنكم تعرفون أبناءكم فكيف هذه المعرفة فقال عبد الله بن سلام نعم أعرفه بالصفة التي وصفه الله في التوراة فلا أشك فيه ، وأما ابني فلا أدري ما أحدثت أمه .

قال القاضي أبو محمد : وتأول ابن سلام رضي الله عنه المعرفة بالابن تحقق صحة نسبه ، وغرض الآية إنما هو الوقوف على صورته فلا يخطىء الأب فيها ، وقالت فرقة : الضمير من { يعرفونه } عائد على القرآن المذكور قبل .

قال القاضي أبو محمد : ويصح أن تعيد الضمير على هذه كلها دون اختصاص ، كأنه وصف أشياء كثيرة ، ثم قال : أهل الكتاب { يعرفونه } أي ما قلنا وما قصصنا وقوله تعالى : { الذين خسروا } الآية ، يصح أن يكون { الذين } نعتاً تابعاً ل { الذين قبله } ، والفاء من قوله { فهم } عاطفة جملة على جملة ، وهذا يحسن على تأويل من رأى في الآية قبلها أن أهل الكتاب متوعدون مذمومون لا مستشهد بهم ، ويصح أن يكون { الذين } رفعاً بالابتداء على استئناف الكلام ، وخبره { فهم لا يؤمنون } والفاء في هذا جواب ، { وخسروا } معناه غبنوها ، وقد تقدم . وروي أن كل عبد له منزل في الجنة ومنزل في النار ، فالمؤمنون ينزلون منازل أهل الكفر في الجنة والكافرون ينزلون منازل أهل الجنة في النار فهاهنا هي الخسارة بينة والربح للآخرين .


[4860]:- أخرج أبو الشيخ عن السدي: {الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهمْ الآية- يعني يعرفون النبي صلى الله عليه وسلم كما يعرفون أبناءهم، لأن نعته معهم في التوراة، {الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون} لأنهم كفروا به بعد المعرفة. (الدر المنثور).