فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{ٱلَّذِينَ ءَاتَيۡنَٰهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ يَعۡرِفُونَهُۥ كَمَا يَعۡرِفُونَ أَبۡنَآءَهُمُۘ ٱلَّذِينَ خَسِرُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ فَهُمۡ لَا يُؤۡمِنُونَ} (20)

{ الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم الذي خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون 20 ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته إنه لا يفلح الظالمون 21 ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون 22 } .

{ الذين آتيناهم الكتاب } وهم علماء اليهود والنصارى الذين كانوا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم/ والتعريف للجنس فيشمل التوراة والإنجيل وغيرهما { يعرفونه } أي يعرفون رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال به جماعة من السلف وإليه ذهب الزجاج ، وقيل يعرفون القرآن معرفة محققة بحيث لا يلتبس عليهم منه شيء وقيل يعود الضمير على التوحيد لدلالة قوله : { إنما هو إله واحد } أو على كتابهم أو على جمع ذلك وأفرد الضمير اعتبارا بالمعنى كأنه قيل يعرفون ما ذكرنا وقصصنا .

{ كما يعرفون أبناءهم } بيان لتحقق تلك المعرفة وكمالها وعدم وجود شك فيها فإن معرفة الآباء للأبناء هي البالغة إلى غاية الايقان إجمالا وتفصيلا { الذين خسروا أنفسهم } أي أهلكوها وغبنوها وأوبقوها في نار جهنم بإنكارهم نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وقيل المعنى أن أولئك الذين آتاهم الله الكتاب هم الذين خسروا أنفسهم بسبب ما وقعوا فيه من البعد عن الحق وعدم العمل بالمعرفة التي ثبتت لهم .

ومعنى هذا الخسران كما قاله جمهور المفسرين أن الله جعل لكل إنسان منزلا في الجنة ومنزلا في النار ، فإذا كان يوم القيامة جعل الله للمؤمنين منازل أهل النار في الجنة ولأهل النار منازل أهل الجنة في النار ، ذكره الكرخي { فهم } بعنادهم وتمردهم { لا يؤمنون } بما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم .

قال البيضاوي : الفاء للدلالة على أن عدم إيمانهم مسبب عن خسرانهم فإن إبطال العقل باتباع الحواس والوهم والانهماك في التقليد وإغفال النظر أدى بهم إلى الإصرار على الكفر والامتناع عن الإيمان .