الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{ٱلَّذِينَ ءَاتَيۡنَٰهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ يَعۡرِفُونَهُۥ كَمَا يَعۡرِفُونَ أَبۡنَآءَهُمُۘ ٱلَّذِينَ خَسِرُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ فَهُمۡ لَا يُؤۡمِنُونَ} (20)

قوله تعالى : { الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ } : الموصول مبتدأ ، و " يَعْرِفونه " خبره والضميرُ المنصوبُ يجوز عَوْدُه على / الرسول أو على القرآن لتقدُّمه في قوله : { وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ } أو على التوحيد لدلالة قوله : { إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ } أو على كتابهم أو على جميع ذلك . وأَفْرد الضمير باعتبار المعنى كأنه قيل : يعرفون ما ذَكَرْنا وقصصنا . وقد تقدَّم إعراب هذه الجملة في البقرة .

قوله : { الَّذِينَ خَسِرُواْ } في محله أربعة أوجه ، أظهرها : أنه مبتدأ ، وخبره الجملة من قوله : { فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } ودخلت الفاء لما عَرَفْتَ من شبه الموصول بالشرط . الثاني : أنه نعت للذين آتيناهم الكتاب . قال الزجاج الثالث : أنه خبر مبتدأ محذوف أي : هم الذين خسروا . الرابع : أنه منصوبٌ على الذم ، وهذان الوجهان فرعان على النعت لأنهما مقطوعان عنه ، وعلى الأقوال الثلاثة الأخيرة يكون { فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } من باب عَطْفِ جملة اسمية على مثلها ، ويجوز أن يكونَ عطفاً على " خسروا " وفيه نظرٌ من حيث إنَّه يؤدِّي إلى ترتُّب عدم الإِيمان على خسرانهم . والظاهر أن الخُسْران هو المترتِّبُ على عدم الإِيمان ، وعلى الوجه الأول يكون الذين خسروا أعمَّ من أهل الجاحدين من المشركين ، وعلى غيره خاصاً بأهل الكتاب ، والتقدير : الذين خسروا أنفسهم منهم أي : من أهل الكتاب .

واسْتُشْكِل على كونه نعتاً الاستشهادُ بهم على كفار قريش وغيرهم من العرب ، يعني كيف يُسْتشهد بهم ويُذَمُّون في آية واحدة ؟ فقيل : إن هذا سِيق للذمِّ لا للاستشهاد . وقيل : بل سيق للاستشهاد وإن كان في بعض الكلام ذمٌّ لهم ، لأن ذلك بوجيهن واعتبارين . قال ابن عطية : " فصَحَّ ذلك لاختلاف ما استشهد بهم فيه وما ذُمُّوا فيه ، وأنَّ الذمَّ والاستشهاد ليسا من جهة واحدة " .