فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{ٱلَّذِينَ ءَاتَيۡنَٰهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ يَعۡرِفُونَهُۥ كَمَا يَعۡرِفُونَ أَبۡنَآءَهُمُۘ ٱلَّذِينَ خَسِرُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ فَهُمۡ لَا يُؤۡمِنُونَ} (20)

قوله : { الذين آتيناهم الكتاب يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ } الكتاب للجنس فيشمل التوراة والإنجيل وغيرهما ، أي يعرفون رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال به جماعة من السلف ، وإليه ذهب الزجاج . وقيل إن الضمير يرجع إلى الكتاب ، أي يعرفونه معرفة محققة ، بحيث لا يلتبس عليهم منه شيء ، و { كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمُ } بيان لتحقق تلك المعرفة وكمالها وعدم وجود شك فيها ، فإن معرفة الآباء للأبناء هي المبالغة إلى غاية الإتقان إجمالاً وتفصيلاً . قوله : { الذين خَسِرُواْ أَنفُسَهُم } في محل رفع على الابتداء ، وخبره { فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } ودخول الفاء في الخبر ، لتضمن المبتدأ معنى الشرط . وقيل : إن الموصول خبر مبتدأ محذوف . وقيل : هو نعت للموصول الأوّل . وعلى الوجهين الأخيرين يكون { فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } معطوفاً على جملة { الذين آتيناهم الكتاب } . والمعنى على الوجه الأوّل : أن الكفار الخاسرين لأنفسهم بعنادهم وتمرّدهم لا يؤمنون بما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعلى الوجهين الأخيرين أن أولئك الذين آتاهم الله الكتاب هم الذين خسروا أنفسهم بسبب ما وقعوا فيه من البعد عن الحق ، وعدم العمل بالمعرفة التي ثبتت لهم فهم لا يؤمنون .

/خ21