النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{ٱلَّذِينَ ءَاتَيۡنَٰهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ يَعۡرِفُونَهُۥ كَمَا يَعۡرِفُونَ أَبۡنَآءَهُمُۘ ٱلَّذِينَ خَسِرُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ فَهُمۡ لَا يُؤۡمِنُونَ} (20)

قوله عز وجل : { الَّذِينَ ءَاتَيْنَاهُمُ الكِتَابَ } فيه قولان :

أحدهما : أنه التوراة والإِنجيل ، قاله الحسن ، وقتادة ، والسدي ، وابن جريج .

والثاني : أنه القرآن .

{ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنآءَهُم } فيه قولان :

أحدهما : يعرفون النبي صلى الله عليه وسلم كما يعرفون أبناءهم{[856]} ، لأن صفته موجودة في كتابهم ، قاله الحسن ، وقتادة ، ومن زعم أن الكتاب هو التوراة والإِنجيل .

والثاني : يعرفون الكتاب الدال على صفته ، وصدقه ، وصحة نبوته ، وهذا قول من زعم أن الكتاب هو القرآن .

وعنى بقوله : { كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ } تثبيتاً لصحة المعرفة .

وحكى الكلبي والفراء : أن عمر بن الخطاب قال لعبد الله بن سلام حين أسلم : ما هذه المعرفة التي تعرفون بها محمداً صلى الله عليه وسلم كما تعرفون أبناءكم ؟ قال : والله لأنا به إذا رأيته أعرف مني بابني وهو يلعب مع الصبيان ، لأني لا أشك أنه محمد ، وأشهد أنه حق ، ولست أدري ما صنع النساء في الابن{[857]} .

{ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ } فيه تأويلان :

أحدهما : أنهم خسروا بالكفر منازلهم وأزواجهم في الجنة ، لأنه ليس أحد من مؤمن ولا كافر إلا وله منازل وأزواج ، فإن أسلموا كانت لهم ، وإن كفروا كانت لمن آمن من أهلهم ، وهو معنى قوله تعالى :

{ الَّذِينَ يَرِثُونَ الفِرْدَوسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }

[ المؤمنون : 11 ] ، قاله الفراء .

والثاني : معناه غبنوها فأهلكوها بالكفر والتكذيب ، ومنه قول الأعشى :

لا يأخذ الرِّشْوَة في حُكْمِهِ *** ولا يُبالي خُسْرَ الخاسر


[856]:- سقط من ك.
[857]:- وفي رواية: وابني لا أدري ما كان من أمه، أي أنه لا يعرف أن كان هذا ابنه حقيقة أو ابن رجل آخر.