والسبب الذي غر أهل الكتاب بتجرئهم على معاصي الله هو قولهم { لن تمسنا النار إلا أياما معدودات وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون }
افتروا هذا القول فظنوه حقيقة فعملوا على ذلك ولم ينزجروا عن المحارم ، لأن أنفسهم منتهم وغرتهم أن مآلهم إلى الجنة ، وكذبوا في ذلك ، فإن هذا مجرد كذب وافتراء ، وإنما مآلهم شر مآل ، وعاقبتهم عاقبة وخيمة . فلهذا قال تعالى { فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه }
ثم قال : { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ } أي : إنما حملهم وجَرّأهم على مخالفة الحق افتراؤهم على الله فيما ادعوه لأنفسهم أنهم إنما يعذبون في النار سبعة أيام ، عن كل ألف سنة في الدنيا يوما . وقد تقدم تفسير ذلك في سورة البقرة . ثم قال : { وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ } [ أي غرهم في دينهم ]{[4923]} أي : ثَبَّتهم على دينهم الباطل ما خدعوا به أنفسهم من زعمهم أن النار لا تمسهم بذنوبهم إلا أياما معدودات ، وهم الذين افتروا هذا من تلقاء أنفسهم وافتعلوه ، ولم ينزل الله به سلطانا .
{ ذلك } إشارة إلى التولي والإعراض . { بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودات } بسبب تسهيلهم أمر العقاب على أنفسهم لهذا الاعتقاد الزائغ والطمع الفارغ . { وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون } من أن النار لن تمسهم إلا أياما قلائل ، أو أن آباءهم الأنبياء يشفعون لهم ، أو أنه تعالى وعد يعقوب عليه السلام أن لا يعذب أولاده إلا تحلة القسم .
وقوله تعالى : { ذلك بأنهم } الإشارة فيه إلى التولي والإعراض ، أي إنما تولوا وأعرضوا لاغترارهم بهذه الأقوال والافتراء الذي لهم في قولهم : { نحن أبناء الله وأحباؤه }{[3057]} إلى غير ذلك من هذا المعنى ، وكان من قول بني إسرائيل : إنهم لن تمسهم النار إلا أربعين يوماً عدد الأيام التي عبدوا فيها العجل ، قاله الربيع وقتادة ، وحكى الطبري أنهم قالوا : إن الله وعد أباهم يعقوب أن لا يدخل أحداً من ولده النار إلا تحلة القسم{[3058]} ، وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لليهود : من أول من يدخل النار ؟ فقالوا نحن فترة يسيرة ثم تخلفوننا فيها فقال : كذبتم الحديث بطوله{[3059]} ، و { يفترون } معناه ، يشققون ويختلقون من الأحاديث في مدح دينهم وأنفسهم وادعاء الفضائل لها .
قوله : { ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار } الإشارة إلى تولّيهم وإعراضهم ، والباء للسببية : أي إنّهم فعلوا ما فعلوا بسبب زعمهم أنّهم في أمان من العذاب إلاّ أياماً قليلة ، فانعدَم اكتراثهم باتّباع الحق ؛ لأنّ اعتقادهم النجاة من عذاب الله على كل حالٍ جَرّأهم على ارتكاب مثل هذا الإعراض . وهذا الاعتقاد مع بطلانه مؤذن أيضاً بسفالة همّتهم الدينية ، فكانوا لا ينافسون في تزكية الأنفس . وعبر عن الاعتقاد بالقول دلالة على أنّ هذا الاعتقاد لا دليل عليه وأنّه قول مفتري مدلّس ، وهذه العقيدة عقيدة اليهود ، كما تقدم في البقرة .
وقوله : { وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون } أي ما تقوّلوه على الدِّين وأدخلوه فيه ، فلذلك أتي بفي الدالة على الظرفية المجازية . ومن جملة ما كانوا يفترونه قولهم : { لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة } [ البقرة : 80 ] ، وكانوا أيضاً يزعمون أنّ الله وعد يعقوب ألاّ يعذّب أبناءه .
وقد أخبر الله تعالى عن مفاسد هذا الغرور والافتراء بإيقاعها في الضلال الدائم ، لأنّ المخالفة إذا لم تكن عن غرور فالإقلاع عنها مرجوٌ ، أما المغرور فلا يترقّب منه إقلاع . وقد ابتلي المسلمون بغرور كثير في تفاريع دينهم وافتراءات من الموضوعات عادت على مقاصد الدين وقواعد الشريعة بالإبطال ، وتفصيل ذلك في غير هذا المجال .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.