البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَالُواْ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلَّآ أَيَّامٗا مَّعۡدُودَٰتٖۖ وَغَرَّهُمۡ فِي دِينِهِم مَّا كَانُواْ يَفۡتَرُونَ} (24)

غَر ، يغر ، غروراً : خدع والغِر : الصغير ، والغريرة : الصغيرة ، سميا بذلك لأنهما ينخدعان بالعجلة ، والغِرة منه يقال : أخذه على غرة ، أي : تغفل وخداع ، والغُرة : بياض في الوجه ، يقال منه : وجه أغر ، ورجل أغر ، وامرأة غراء .

والجمع على القياس فيهما غُر .

قالوا : وليس بقياس : وغران .

قال الشاعر :

ثياب بني عوف طهارى نقية *** وأوجههم عند المشاهد غران

{ ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودات } الإشارة بذلك إلى التولي ، أي : ذلك التولي بسبب هذه الأقوال الباطلة ، وتسهيلهم على أنفسهم العذاب ، وطمعهم في الخروج من النار بعد أيام قلائل .

وقال الزمخشري : كما طمعت الجبرية والحشوية .

{ وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون } من أن آباءهم الأنبياء يشفعون لهم ، كما غرى أولئك بشفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم في كبائرهم .

انتهى كلامه .

وهو على عادته من اللهج بسب أهل السنة والجماعة ، ورميهم بالتشبيه ، والخروج إلى الطعن عليهم بأي طريق أمكنه .

وتقدّم تفسير هذه : الأيام المعدودات ، في سورة البقرة فأغنى عن إعادته هنا ، إلاَّ أنه جاء هناك : معدودة ، وهنا : معدودات ، وهما طريقان فصيحان تقول : جبال شامخة ، وجبال شامخات .

فتجعل صفة جمع التكسير للمذكر الذي لا يعقل تارة لصفة الواحدة المؤنثة ، وتارة لصفة المؤنثات .

فكما تقول : نساء قائمات ، كذلك تقول : جبال راسيات ، وذلك مقيس مطرد فيه .

{ وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون } قال مجاهد : الذي افتروه هو قولهم : { لن تمسنا النار إلا أياماً معدودات } وقال قتادة : بقولهم : نحن أبناء الله وأحباؤه .

وقيل : { لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى } وقيل : مجموع هذه الأقوال .

وارتفع : ذلك ، بالابتداء ، و : بأنهم ، هو الخبر ، أي : ذلك الإعراض والتولي كائن لهم وحاصل بسبب هذا القول ، وهو قولهم : إنهم لا تمسهم النار إلاَّ أياماً قلائل ، يحصرها العدد .

وقيل : خبر مبتدأ محذوف ، أي : شأنهم ذلك ، أي التولي والإعراض ، قاله الزجاج .

وعلى هذا يكون : بأنهم ، في موضع الحال ، أي : مصحوباً بهذا القول ، و : ما في : ما كانوا ، موصولة ، أو مصدرية .

/خ27