قوله : " ذَلِكَ " فيها وجهان :
أصحهما : أنها مبتدأ ، والجار بعده خبره ، أي : ذلك التوَلِّي بسبب هذه الأقوال الباطلةِ ، التي لا حقيقةَ لها .
والثاني : أن " ذَلِكَ " خبرُ مبتدأ محذوفٍ ، أي : الأمر ذلك ، وهو قول الزَّجَّاج وعلى هذا قوله : " بأنَّهُمْ " متعلق بذلك المقدَّر - وهو الأمر ونحوه - .
وقال أبو البقاء : فعلى هذا يكون قوله " بأنَّهُمْ " في موضع نَصْب على الحال بما في " ذَا " من معنى الإشارة ، أي : ذلك الأمر مستحقاً بقولهم ، ثم قال : " وهذا ضعيفٌ " .
وجاء - هنا - " مَعْدُودَاتٍ " ، بصيغة الجمع - وفي البقرة " مَعْدُودَةً " ، تفنُّناً في البلاغة ، وذلك أن جمع التكسير - غير العاقل - يجوز أن يعامَل معاملةَ الواحدةِ المؤنثة تارةً ، ومعاملةَ جمع الإناث أخْرَى ، فيقال : هذه جبال راسيةٌ - وإن شئت : راسياتٌ - ، وجمال ماشية ، وإن شئت : ماشيات .
وخص الجمع بهذا الموضع ؛ لأنه مكان تشنيع عليهم بما فعلوا وقالوا : فأتى بلفظ الجمع مبالغةٌ في زجرهم ، وزجر من يعمل بعملهم .
قال الجبائيُّ : " هذه الآية فيها [ دلالة ] {[5295]} على بُطْلان قَوْل مَنْ يقول : إنَّ أهلَ النار يخرجون من النار ، قال : لأنه لو صَحَّ ذلك في هذه الآية لصح في سائر الأمم ، ولو ثبت ذلك في سائر الأمم لما كان المُخْبِر بذلك كاذباً ، ولما استحق الذمَّ ، فلما ذكر الله - تعالى - ذلك في معرض الذمِّ ، علمنا أن القول بخروج أهل النارِ من النار [ قول ] {[5296]} باطل " .
قال ابن الخطيبِ : " كان من حقه أن لا يذكر مثل هذا الكلام ؛ لأن مذهبه أن العَفْوَ حَسَنٌ ، جائز من الله ، وإذا كان كذلك لم يلزم من حصول العفوِ في هذه الأمةِ حصولُه في سائر الأمم سلمنا أنه لا يلزم ذلك ، لكن لِمَ قلتم : إن القومَ إنما استحقوا الذمَّ على مجرَّد الإخبارِ بأن الفاسقَ يخرج من النار ؟
الأول : لعلهم استوجبوا الذم على أنهم قطعوا بأن مدة عذاب الفاسقِ قصيرة ، قليلة ؛ فإنه روي أنهم كانوا يقولون : إنَّ مدة عذابنا سبعةُ أيام ، ومنهم من قال : لا ، بل أربعينَ ليلةً - على قدر مُدَّة عبادة العِجل- .
الثاني : أنهم كانوا يتساهلون في أصول الدين ، ويقولون : بتقدير وقوع الخطأ منا ، فإنَّ عذابنا قليل ، وهذا خطأ ؛ لأن عندنا المخطئ في التوحيد والنبوة والمعاد كافر ، والكافر عذابه دائم .
الثالث : أنهم لما قالوا : { لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ } استحقروا تكذيبَ محمد - عليه السلام - ، واعتقدوا أنه لا تأثيرَ له في تغليظ العقاب ، فكان ذلك تصريحاً بتكذيبه - عليه السلام - وذلك كُفر ، والكافر المُصِرُّ على كُفره لا شكَّ أن عذابَه مُخَلَّد ، فثبت أنَّ احتجاجَ الجبائي بهذه الآية ضعيف " .
قوله : { وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ } الغُرور : الخِدَاع ، يقال منه : غَرًَّهُ ، يَغُرُّهُ ، غُرُوراً ، فهو غَارٌّ ، ومغرور .
والغَرُور : - بالفتح - مثال مبالغة كالضَّرُوب .
والغِرُّ : الصغير ، والغِرِّيرَة : الصغيرة ؛ لأنهما يُخدعان ، والغِرَّة{[5297]} : مأخوذة من هذا ، قال : أخذه على غِرَّة ، أي : تغفُّل وخداعِ ، والغُرَّة : بياض في الوجه ، يقال منه : وَجْهٌ أغَرُّ ، ورجل أغَرّ وامرأة غَرَّاء .
والجمع القياسي : غُرٌّ ، و غير القياسي غُرَّانُ .
ثِيَابُ بَنِي عَوْفٍ طَهَارَى نَقِيَّةٌ *** وَأوْجُهُهُمْ عِنْدَ الْمَشَاهِدِ غُرَّانُ{[5298]}
والغرة من كل شيء أنفسه ، وفي الحديث : " وَجَعَلَ فِي الْجَنِينِ غُرَّةً ، عَبْداً أوُ أمَةً " .
قيل : الغُرًَّة : الخِيار ، وقال أبو عمرو بن العلاء - في تفسير هذا الحديث - إنه لا يكون إلا الأبيض من الرقيق ، كأنه أخَذَه من الغُرَّة ، وهو البياض في الوَجْه .
قوله : { مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } " ما " يجوز أن تكون مصدريةً ، أو بمعنى " الذي " ، والعائد محذوف أي : الذي كانوا يفترونه .
قيل هو قولهم : { نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ } [ المائدة : 18 ] .
وقيل هو قولهم : { لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ } [ آل عمران : 24 ]
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.