ثم صغر رأيهم فقال : { ذلك مبلغهم من العلم } يعني : ذلك نهاية علمهم وقدر عقولهم أن آثروا الدنيا على الآخرة . وقيل : لم يبلغوا من العلم إلا ظنهم أن الملائكة بنات الله ، وأنها تشفع لهم ، فاعتمدوا على ذلك وأعرضوا عن القرآن . { إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى } يعني : هو عالم بالفريقين فيجازيهم .
{ ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ } أي : هذا منتهى علمهم وغايته ، وأما المؤمنون بالآخرة ، المصدقون بها ، أولو الألباب والعقول ،
فهمتهم وإرادتهم للدار الآخرة ، وعلومهم أفضل العلوم وأجلها ، وهو العلم المأخوذ من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، والله تعالى أعلم بمن يستحق الهداية فيهديه ، ممن لا يستحق ذلك فيكله إلى نفسه ، ويخذله ، فيضل عن سبيل الله ، ولهذا قال تعالى : { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى } فيضع فضله حيث يعلم المحل اللائق به .
{ ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ }أي : طلب الدنيا والسعي لها هو غاية ما وصلوا إليه .
وقد روى الإمام أحمد عن أم المؤمنين عائشة [ رضي الله عنها ]{[27677]} قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الدنيا دار من لا دار له ، ومال من لا مال له ، ولها يجمع من لا عقل له " {[27678]} وفي الدعاء المأثور : " اللهم لا تجعل الدنيا أكبر هَمِّنَا ، ولا مَبْلَغَ علمنا " .
وقوله : { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى } أي : هو الخالق لجميع المخلوقات ، والعالم بمصالح عباده ، وهو الذي يهدي من يشاء ، ويضل من يشاء ، وذلك كله عن قدرته وعلمه وحكمته ، وهو العادل الذي لا يجور أبدًا ، لا في شرعه ولا في قَدَره .
وقوله تعالى : { ذلك مبلغهم من العلم } معناه هنا انتهى تحصيلهم من المعلومات ، وذلك أن المعلومات منها ما هي معقولات نافعة في الآخرة ، ومنها ما هي أمور فانية وأشخاص بادية كالفلاحة وكثير من الصنائع وطلب الرئاسة على الناس بالمخرقة ، فكلها معلومات ولها علم ومبلغ الكفرة إنما هو في مدة الدنياويات .
وقوله تعالى : { إن ربك هو أعلم } الآية تصل بمعنى التسلية في قوله : { فأعرض عمن تولى عن ذكرنا } ، وقوله : { إن ربك هو أعلم } الآية ، ووعيد للكفار ووعد للمؤمنين ، وأسند الضلالة والهدى إليهم بكسبهم وإن كان الجميع خلقاً له واختراعاً ، واللام في قوله : { ليجزي } متعلقة بقوله : { ضل } وبقوله : { اهتدى } فكأنه قال : ليصير أمرهم جميعاً إلى أن يجزى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.