{ كَلَّا } أي : ليس الأمر كما زعم ، فليس للقائل اطلاع على الغيب ، لأنه كافر ، ليس عنده من علم الرسائل شيء ، ولا اتخذ عند الرحمن عهدا ، لكفره وعدم إيمانه ، ولكنه يستحق ضد ما تقوله ، وأن قوله مكتوب ، محفوظ ، ليجازى عليه ويعاقب ، ولهذا قال : { سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا } أي : نزيده من أنواع العقوبات ، كما ازداد من الغي والضلال .
وقوله : { كَلا } : هي حرف رَدْع لما قبلها وتأكيد لما بعدها ، { سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ } أي : من طلبه ذلك وحُكْمه لنفسه بما تمناه ، وكفره بالله العظيم { وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا } أي : في الدار الآخرة ، على قوله ذلك ، وكفره [ بالله ]{[19123]} في الدنيا .
القول في تأويل قوله تعالى{ كَلاّ سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدّاً * وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْداً } .
يعني تعالى ذكره بقوله كلا : ليس الأمر كذلك ، ما اطلع الغيب ، فعلم صدق ما يقول ، وحقيقة ما يذكر ، ولا اتخذ عند الرحمن عهدا بالإيمان بالله ورسوله ، والعمل بطاعته ، بل كذب وكفر . ثم قال تعالى ذكره : سَنَكْتُبُ ما يَقُولُ : أي سنكتب ما يقول هذا الكافر بربه ، القائل لاَوتيَنّ في الاَخرة مالاً وَوَلَدا ونَمُدّ لَهُ مِنَ العَذَابِ مَدّا يقول : ونزيده من العذاب في جهنم بقيله الكذب والباطل في الدنيا ، زيادة على عذابه بكفره بالله .
{ كَلاّ } حرف ردع وزجر عن مضمون كلام سابق من متكلّم واحد ، أو من كلام يحكى عن متكلم آخر أو مسموع منه كقوله تعالى : { قال أصحاب موسى إنا لمدركون قال كلا إن معي ربي } [ الشعراء : 61 ، 62 ] .
والأكثر أن تكون عقب آخر الكلام المبطَل بها ، وقد تُقُدِّمَ على الكلام المبطَل للاهتمام بالإبطال وتعجيله والتشويق إلى سماع الكلام الذي سيرد بعدها كما في قوله تعالى : { كلا والقمر والليل إذ أدبر والصبح أسفر إنها لإحدى الكبر } [ المدثر : 32 35 ] على أحد تأويلين ، ولِما فيها من معنى الإبطال كانت في معنى النّفي ، فهي نقيض إي وأجلْ ونحوهما من أحرف الجواب بتقدير الكلام السابق .
والمعنى : لا يقع ما حكى عنه من زعمه ولا من غرُوره ، والغالب أن تكون متبعة بكلام بعدها ، فلا يعهد في كلام العرب أن يقول قائل في ردّ كلام : كَلاّ ، ويسكت .
ولكونها حرف ردع أفادت معنى تامّاً يحسن السكوت عليه . فلذلك جاز الوقف عليها عند الجمهور ، ومنع المبرد الوقف عليها بناء على أنها لا بد أن تُتبع بكلام . وقال الفراء : مواقعها أربعة :
موقع يحسن الوقف عليها والابتداء بها كما في هذه الآية .
وموقع يحسن الوقف عليها ولا يحسن الابتداء بها كقوله : { فأخاف أن يقتلون قال كلا فاذهبا } [ الشعراء : 14 ، 15 ] .
وموقع يحسن فيه الابتداء بها ولا يحسن الوقف عليها كقوله تعالى : { كلا إنها تذكرة } [ عبس : 11 ] .
وموقع لا يحسن فيه شيء من الأمرين كقوله تعالى : { ثم كلا سوف تعلمون } [ التكاثر : 4 ] .
وكلام الفراءيبين أنّ الخلاف بين الجمهور وبين المبرد لفظي لأنّ الوقف أعم من السكوت التام .
وحرف التنفيس في قوله { سنكتب } لتحقيق أنّ ذلك واقع لا محالة كقوله تعالى : { قال سوف أستغفر لكم ربي } [ يوسف : 98 ] .
والمد في العذاب : الزيادة منه ، كقوله : { فليمدد له الرحمان مداً } [ مريم : 75 ] .
و { ما يقول } في الموضعين إيجاز ، لأنه لو حكي كلامه لطال . وهذا كقوله تعالى : { قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم } [ آل عمران : 183 ] ، أي وبقربان تأكله النار ، أي ما قاله من الإلحاد والتهكم بالإسلام ، وما قاله من المال والولد ، أي سنكتب جزاءَه ونهلكه فنرثه ما سمّاه من المال والولد ، أي نرث أعيان ما ذكر أسماءه ، إذ لا يعقل أن يورث عنه قولُه وكلامه . ف { ما يقول } بدل اشتمال من ضمير النصب في { نرثه } ، إذ التقدير : ونرث ولده وماله .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.