" كلا " رد{[22389]} عليه ، أي : إنه لم يفعل ذلك .
" كَلاَّ " للنحويين في هذه اللفظة ستة مذاهب :
أحدها{[22390]} : وهو مذهب جمهور البصريين كالخليل وسيبويه وأبي الحسن الأخفش{[22391]} وأبي العباس أنها حرف ردع وزجر{[22392]} .
وهذا معنى لائق بها حيث وقعت في القرآن{[22393]} ، وما أحسن ما جاءت في هذه الآية حيث زجرت وردعت ذلك{[22394]} القائل .
والثاني : وهو مذهب النضر بن شميل{[22395]} أنها حرف تصديق بمعنى نعم{[22396]} ، فيكون جواباً ، ولا بد حينئذ من أن يتقدمها شيء لفظاً أو تقديراً ، وقد تستعمل في القسم{[22397]} .
والثالث{[22398]} : وهو مذهب الكسائي ، وأبي بكر بن{[22399]} الأنباري{[22400]} ، " ونصر بن يوسف{[22401]} " {[22402]}وابن واصل{[22403]} أنها بمعنى حقًّا{[22404]} .
والرابع : وهو مذهب أبي عبد الله{[22405]} محمد بن الباهلي{[22406]} أنها رد لما قبلها . وهذا قريب من معنى الردع .
الخامس : أنها صلة في الكلام بمعنى " إي " {[22407]} كذا قيل . وفيه نظر ، فإن " إي " حرف جواب ، ولكنه مختص بالقسم .
السادس : أنها حرف استفتاح ، وهو قول " أبي حاتم{[22408]} ولتقرير هذه المذاهب موضع يليق به .
وقد قرئ هنا بالفتح والتنوين في كَلاَّ " {[22409]} هذه ، وتروى عن ابن نهيك وحكى الزمخشري هذه القراءة ، وعزاها لابن نهيك{[22410]} في قوله : { كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ }{[22411]} كما سيأتي{[22412]} ويحكى أيضاً قراءةٌ بضم الكاف والتنوين ، ويعزيها لابن نهيك أيضاً " {[22413]} .
فأما قولهم{[22414]} : ابن نهيك ، فليس لهم ابن نهيك ، إنما لهم أبو نهبك بالكنية{[22415]} .
وفي قراءة الفتح " والتنوين أربعة أوجه :
أحدها : أنَّه منصوبٌ على المصدر بفعل مقدر من لفظها تقديره " {[22416]} : كَلُّوا{[22417]} كَلاًّ{[22418]} ، أي : أعيُوا عن الحقِّ إعياء ، أو كلُّوا عن عبادة الله ، لتهاونهم بها من قول العرب : كَلَّ السَّيْفُ ، إذا نبا{[22419]} عن الضرب ، وكلَّ زيدٌ{[22420]} ، أي تعِبَ . وقيل : المعنى : كلُّوا في دعواهم وانقطعوا{[22421]} .
والثاني{[22422]} : أنه مفعولٌ به بفعل مقدر من معنى الكلام ، تقديره : حُمِّلُوا كلاًّ . والكلُّ أيضاً : الثقل{[22423]} : تقول : فلان كلٌّ على الناس ، ومنه قوله تعالى : { وَهُوَ كَلٌّ على مَوْلاهُ }{[22424]} .
والثالث : أن " {[22425]} التنوين{[22426]} بدل من ألف " {[22427]} " كلاَّ " ، وهي التي يراد بها الردع والزجر ، فتكون حرفاً أيضاً .
قال الزمخشري : ولقائل أن يقول : إن صحت هذه الرواية{[22428]} ، فهي " كلاَّ " التي للردع " {[22429]} قلب{[22430]} الواقف عليها ألفها نوناً كما في قوله : { قوارِيرا }{[22431]} " {[22432]} .
قال أبو حيان : وهذا ليس بجيد ، لأنه قال : التي للردع ، " والتي للردع " {[22433]} حرف ولا{[22434]} ، وجه لقلب ألفها نوناً ، وتشبيهه{[22435]} ب " قَوَارِيراً " ليس بجيد ، لأنَّ " قَوَارِيرَ " {[22436]} اسم{[22437]} يرجع به إلى أصله ، فالنون ليس بدلاً من ألف بل هو تنوين الصرف ، وهذا اجمع مختلف فيه أيتحتَّمُ منع صرفه أم يجوز ؟ قولان{[22438]} .
ومنقول أيضاً : أن{[22439]} بعض لغة العرب{[22440]} يصرفون ما لا ينصرف{[22441]} ، فهذا القول ، إما على قول من لا يرى بالتحتم ، أو على تلك اللغة{[22442]} .
والرابع : أنه نعتٌ ل " آلهة " ، قاله{[22443]} ابن عطية{[22444]} . وفيه نظر ، إذ ليس المعنى على ذلك ، وقد يظهر له وجه ، " أن يكون وصف{[22445]} " الآلهة بالكلِّ الذي هو{[22446]} المصدر بمعنى الإعياء والعجز ، كأنه قيل : آلهةٌ كالِّين ، أي : عاجزين منقطعين . ولمَّا وصفهم وصفهم بالمصدر وحده . وروى{[22447]} ابن عطية والداني{[22448]} وغيره عن أبي نهيك أنه قرأ{[22449]} " كُلاًّ " بضم الكاف{[22450]} والتنوين{[22451]} ، وفيها تأويلان :
أحدهما : أن ينتصب على الحال ، أي : سيكفرون جميعاً{[22452]} ؛ كذا قدره أبو{[22453]} البقاء ، واستبعده{[22454]} .
والثاني : أنه منصوبٌ بفعلٍ مقدر ، يرفضون ، أي : يجحدون ، أو{[22455]} يتركون كلاًّ{[22456]} ، قاله{[22457]} ابن عطية{[22458]} . وحكى{[22459]} ابن جرير{[22460]} أن أبنا نهيك قرأ " كُلُّ " بضم الكاف ورفع اللام منونة على أنه مبتدأ والجملة الفعلية بعده خبره{[22461]} .
وظاهر عبارة هؤلاء أنه لم يقرأ بذلك إلا في{[22462]} " كلاًّ " الثانية{[22463]} . وقرأ عليُّ بنُ أبي طالب " ونُمِدُّ " {[22464]} من أمدَّ ، وقد تقدم القول في مدَّهُ وأمدَّهُ{[22465]} .
قوله : { ونَرثهُ ما يقُولُ } . يجوز في " مَا " وجهان :
أحدهما : أن يكون مفعولاً بها{[22466]} ، والضمير في " نَرِثُهُ " منصوب على إسقاط الخافض تقديره : ونرثُ منه " ما يقوله{[22467]} " {[22468]} .
والثاني : أن يكون بدلاً من الضمير في " نَرِثُهُ " بدل اشتمال{[22469]} . وقدَّر بعضهم مضافاً قبل الموصول ، أي : نرثه معنى ما يقول : أو مسمَّى ما يقول ، وهو المال والولد ، لأن نفس القول لا يورث{[22470]} . " و " فَرْداً " حال إمَّا مقدرة نحو { فادخلوها خَالِدِينَ }{[22471]} ، أو مقارنة ، وذلك مبنيٌّ على اختلاف معنى الآية{[22472]} " {[22473]} .
قوله تعالى : { سَنَكْتبُ }{[22474]} سنحفظ {[22475]} " ما يقُولُ " فنُجازيه في الآخرة{[22476]} .
وقيل : نأمر الملائكة حتى يكتبوا ما يقول . { وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ العذاب مَدّاً } أي : نزيده عذاباً فوق العذاب ، وقيل : نطيل عذابه{[22477]} .