فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{كَلَّاۚ سَنَكۡتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُۥ مِنَ ٱلۡعَذَابِ مَدّٗا} (79)

{ كلا } حرف ردع وزجر أي ليس الأمر على ما قال هذا الكافر من أنه يؤتى المال والولد ولفظة : ( كلاّ ) فيها للنحاة ستة مذاهب :

أحدها : وهو مذهب جمهور البصريين كالخليل وسيبويه وأبي الحسن والأخفش وأبي العباس المبرد أنها حرف ردع وزجر وهذا معنى لائق بها حيث وقعت في القرآن وما أحسن ما جاءت في هذه الآية زجرت وردعت ذلك القائل .

والثاني : وهو مذهب النضر بن شميل أنها حرف تصديق بمعنى نعم فتكون جوابا ولابد حينئذ من أن يتقدمها شيء لفظا أو تقديرا وقد استعمل في القسم .

والثالث : وهو مذهب الكسائي وأبي بكر بن الأنباري ونصر بن يوسف وابن واصل أنها بمعنى حقا .

والرابع : وهو مذهب أبي عبد الله الباهلي أنها رد لما قبله ، وهذا قريب من معنى الردع .

الخامس : أنها صلة في الكلام بمعنى أي كذا ، قيل وفيه نظر فإن أي حرف جواب ، ولكنه مختص بالقسم .

السادس : أنها حرف استفتاح ، وهو قول أبي حاتم ، قال السمين : ولتقرير هذه المذاهب موضع هو أليق بها قد حققتها بحمد الله فيه . انتهى . .

وذكرت { كلاّ } في القرآن في النصف الثاني فقط ، وذكرت في خمس عشرة سورة منه كلها مكية ، وجملة ما ذكرت ثلاثة وثلاثون مرة ، ترجع إلى أقسام ثلاثة ، قسم يجوز الوقف عليها ، وعلى ما قبلها فيبتدئ بها وهذا باتفاق . وقسم اختلف فيه هل يجوز الوقف عليها أو يتعين على ما قبلها .

وقسم لا يجوز الوقف عليها باتفاق .

فالقسم الأول : خمسة مواضع اللتان في هذه السورة ، واللتان في سورة الشعراء وواحدة في سورة سبأ .

والقسم الثاني : تسعة ، واحدة في سورة المؤمنين واثنتان في سورة سأل سائل واثنتان في سورة المدثر . الأولى والثانية والأولى في سورة القيامة ؛ والثانية في سورة ويل للمطففين ، والأولى في سورة الفجر والتي في سورة ويل لكل .

والقسم الثالث : هو التسع عشرة الباقية ذكره عز بن جماعة .

{ سنكتب } أي سنحفظ عليه { ما يقول } فناجزيه به في الآخرة أو سنظهر له ما يقول ونعلمه أو سننتقم منه انتقام من كتبت معصيته { ونمد له من العذاب مدا أي نزيده عذابا فوق عذابه مكان ما يدعيه لنفسه من الإمداد بالمال والولد ، أو نطول له من العذاب ما يستحقه ، وهو عذاب من جمع بين الكفر والاستهزاء