إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{كَلَّاۚ سَنَكۡتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُۥ مِنَ ٱلۡعَذَابِ مَدّٗا} (79)

وقوله تعالى : { كَلاَّ } ردعٌ له عن التفوّه بتلك العظيمةِ وتنبيهٌ على خطْأته { سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ } أي سنُظهر أنا كتبنا قوله ، كقوله :

إذا ما انتسبْنا لم تلِدْني لئيمةٌ *** [ ولم تجدني من أن تقري بها بدا ]{[532]}

أي يتبينُ أني لم تلدني لئيمة ، أو سننتقم منه انتقامَ مَنْ كتب جريمةَ الجاني وحفِظها عليه ، فإن نفسَ الكَتَبة لا تكاد تتأخر عن القول ، كقوله عز وعلا : { مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } فمبنى الأولِ تنزيلُ إظهارِ الشيءِ الخفيِّ منزلةَ إحداثِ الأمرِ المعدومِ بجامع أن كلاًّ منهما إخراجٌ من الكمُون إلى البروز فيكون استعارةً تبعيةً مبنية على تشبيه إظهارِ الكتابةِ على رؤوس الأشهاد بإحداثها ، ومدارُ الثاني تسميةُ الشيء باسم سببِه فإن كتابةَ جريمةِ المجرمِ سببٌ لعقوبته قطعاً { وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ العذاب مَدّاً } مكانَ ما يدّعيه لنفسه من الإمداد بالمال والولد ، أي نطوّل له من العذاب ما يستحقه أو نزيد عذابه ونضاعفه له لكُفره وافترائِه على الله سبحانه وتعالى واستهزائِه بآياته العِظام ، ولذلك أُكّد بالمصدر دَلالةً على فرط الغضب .


[532]:البيت لزائد بن صعصعة الفقعسي في حاشية الأمير علي المغني 1/25؛ وبلا نسبة في جواهر الأدب ص 205؛ وشرح شذور الذهب ص 440؛ وشرح شواهد المغني ص 89؛ ومغني اللبيب ص 26.