قوله تعالى : { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون وقفينا على آثارهم } ، أي :على آثار النبيين الذي أسلموا .
قوله تعالى : { بعيسى بن مريم مصدقاً لما بين يديه من التوراة وآتيناه الإنجيل فيه } ، أي : في الإنجيل .
قوله تعالى : { هدىً ونور ومصدقاً } ، يعني الإنجيل .
قوله تعالى : { لما بين يديه من التوراة وهدىً وموعظةً للمتقين } .
{ 46 ، 47 } { وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ * وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ }
أي : وأتبعنا هؤلاء الأنبياءَ والمرسلين ، الذين يحكمون بالتوراة ، بعبدنا ورسولنا عيسى ابن مريم ، روحِ الله وكلمتِه التي ألقاها إلى مريم .
بعثه الله مصدقا لما بين يديه من التوراة ، فهو شاهد لموسى ولما جاء به من التوراة بالحق والصدق ، ومؤيد لدعوته ، وحاكم بشريعته ، وموافق له في أكثر الأمور الشرعية .
وقد يكون عيسى عليه السلام أخف في بعض الأحكام ، كما قال تعالى عنه أنه قال لبني إسرائيل : { وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ ْ }
{ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ ْ } الكتاب العظيم المتمم للتوراة . { فِيهِ هُدًى وَنُورٌ ْ } يهدي إلى الصراط المستقيم ، ويبين الحق من الباطل . { وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ ْ } بتثبيتها والشهادة لها والموافقة . { وَهُدًى وَمَوْعِظَة لِّلْمُتَّقِينَ ْ } فإنهم الذين ينتفعون بالهدى ، ويتعظون بالمواعظ ، ويرتدعون عما لا يليق .
يقول تعالى : " وَقَفَّيْنَا " أي : أتبعنا { عَلَى آثَارِهِمْ } يعني : أنبياء بني إسرائيل [ عليه السلام ]{[9918]} { بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ } أي : مؤمنًا بها حاكمًا بما فيها { وَآتَيْنَاهُ الإنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ } أي : هدى إلى الحق ، ونور يستضاء به في إزالة الشبهات وحل المشكلات . { وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ } أي : متبعًا لها ، غير مخالف لما فيها ، إلا في القليل مما بين لبني إسرائيل بعض ما كانوا يختلفون فيه ، كما قال تعالى إخبارًا عن المسيح أنه قال لبني إسرائيل : { وَلأحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ } [ آل عمران : 50 ] ؛ ولهذا كان المشهور من قولي العلماء أن الإنجيل نسخ بَعْضَ أحكام التوراة .
وقوله : { وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ } أي : وجعلنا الإنجيل { هُدًى } يهتدى به ، { وَمَوْعِظَةً } أي : وزاجرًا{[9919]} عن ارتكاب المحارم والمآثم { لِلْمُتَّقِينَ } أي : لمن اتقى الله وخاف وعيده وعقابه .
{ وَقَفّيْنَا عَلَىَ آثَارِهِم بِعَيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدّقاً لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدّقاً لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لّلْمُتّقِينَ } . .
يعني تعالى ذكره بقوله : وقَفّيْنا على آثارِهِمْ أتبعنا ، يقول : أتبعنا عيسى ابن مريم على آثار النبيين الذين أسلموا من قبلك يا محمد ، فبعثناه نبيا مصدّقا لكتابنا الذي أنزلناه إلى موسى من قبله أنه حقّ وأن العمل بما لم ينسخه الإنجيل منه فرض واجب . وآتَيْناهُ الإنجيلَ يقول : وأنزلنا إليه كتابنا الذي اسمه الإنجيل . فِيهِ هُدًى وَنُورٌ يقول : في الإنجيل هدى ، وهو بيان ما جهله الناس من حكم الله في زمانه ، وَنُورٌ يقول : وضياء من عمي الجهالة ، وَمُصَدّقا لِمَا بينَ يَدَيْهِ يقول : أوحينا إليه ذلك ، وأنزلناه إليه بتصديق ما كان قبله من كتب الله التي كان أنزلها على كل أمة أنزل إلى نبيها كتاب للعمل بما أنزل إلى نبيهم في ذلك الكتاب من تحليل ما حلل وتحريم ما حرّم . وَهُدًى وَمَوْعِظَةً يقول : أنزلنا الإنجيل إلى عيسى مصّدقا للكتب التي قبله ، وبيانا لحكم الله الذي ارتضاه لعباده المتقين في زمان عيسى وموعظة لهم ، يقول : وزجرا لهم عما يكرهه الله إلى ما يحبه من الأعمال ، وتنبيها لهم عليه . والمتقون : هم الذين خافوا الله وحذروا عقابه ، فاتقوه بطاعته فيما أمرهم وحَذِروه بترك ما نهاهم عن فعله ، وقد مضى البيان عن ذلك بشواهده قبل فأغني ذلك عن إعادته .
{ وقفينا على آثارهم } أي وأتبعناهم على آثارهم ، فحذف المفعول لدلالة الجار والمجرور عليه ، والضمير للنبيون . { بعيسى ابن مريم } مفعول ثان عدي إليه الفعل بالباء . { مصدقا لما بين يديه من التوراة وآتيناه الإنجيل } وقرئ بفتح الهمزة . { فيه هدى ونور } في موضع النصب بالحال . { ومصدقا لما بين يديه من التوراة } عطف عليه وكذا قوله : { وهدى وموعظة للمتقين } ويجوز نصبهما على المفعول له عطفا على محذوف أو تعلقا به وعطف .
{ قفينا } تشبيه كأن مجيء عيسى كان من قفاء مجيء النبيين وذهابهم ، والضمير في { آثارهم } للنبيين المذكورين في قوله : { يحكم بها النبيون } [ المائدة : 44 ] و { مصدقاً } حال مؤكدة و { التوراة } بين يدي عيسى لأنها جاءت قبله كما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين يدي الساعة ، وقد تقدم القول في هذا المعنى في غير موضع ، و { الإنجيل } اسم أعجمي ذهب به مذهب الاشتقاق من نجل إذا استخرج وأظهر ، والناس على قراءته بكسر الهمزة إلا الحسن بن أبي الحسن فإنه قرأ «الأنجيل » بفتح الهمزة ، وقد تقدم القول على ذلك في أول سورة آل عمران . و «الهدى » الإرشاد والدعاء إلى توحيد الله وإحياء أحكامه . و «النور » ما فيه مما يستضاء به . و { مصدقاً } حال مؤكدة معطوفة على موضع الجملة التي هي فيه هدى فإنها جملة في موضع الحال . وقال مكي وغيره : { مصدقاً } معطوف على الأول .
قال القاضي أبو محمد : وفي هذا قلق من جهة اتساق المعاني . وقرأ الناس «وهدىً وموعظةً » بالنصب . وذلك عطف على { مصدقاً } وقرأ الضحاك «وهدى وموعظةٌ » بالرفع وذلك متجه . وخص «المتقين » بالذكر لأنهم المقصود به في علم الله وإن كان الجميع يدعى ويوعظ ولكن ذلك على غير المتقين عمى وحيرة .