فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَقَفَّيۡنَا عَلَىٰٓ ءَاثَٰرِهِم بِعِيسَى ٱبۡنِ مَرۡيَمَ مُصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهِ مِنَ ٱلتَّوۡرَىٰةِۖ وَءَاتَيۡنَٰهُ ٱلۡإِنجِيلَ فِيهِ هُدٗى وَنُورٞ وَمُصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهِ مِنَ ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَهُدٗى وَمَوۡعِظَةٗ لِّلۡمُتَّقِينَ} (46)

قوله : { وَقَفَّيْنَا على آثارهم بِعَيسَى ابن مَرْيَم } هذا شروع في بيان حكم الإنجيل بعد بيان حكم التوراة ، أي جعلنا عيسى ابن مريم يقفو آثارهم ، أي آثار النبيين الذين أسلموا من بني إسرائيل ، يقال قفيته مثل عقبته إذا أتبعته ؛ ثم يقال قفيته بفلان وعقبته به فيتعدى إلى الثاني بالباء ، والمفعول الأول محذوف استغناء عنه بالظرف ، وهو على آثارهم ؛ لأنه إذا قفى به على أثره فقد قفى به إياه ، وانتصاب { مُصَدّقاً } على الحال من عيسى { وَآتَيْنَاهُ الإنجيل } عطف على قفنا ، ومحل الجملة أعني : { فِيهِ هُدًى } النصب على الحال من الإنجيل و { نُور } عطف على هدى .

وقوله : { وَمُصَدّقًا } معطوف على محل { فِيهِ هُدًى } أي : أن الإنجيل أوتيه عيسى حال كونه مشتملاً على الهدى والنور ومصدقاً لما بين يديه من التوراة ؛ وقيل إن مصدّقاً معطوف على مصدّقاً الأوّل ، فيكون حالا من عيسى مؤكداً للحال الأول ومقرّراً له . والأوّل أولى ؛ لأن التأسيس خير من التأكيد . قوله : { وَهُدًى وَمَوْعِظَة للْمُتَّقِينَ } عطف على مصدّقاً داخل تحت حكمه منضماً إليه : أي مصدقاً وهادياً وواعظاً للمتقين .

/خ50