ولما كانت هذه الآيات كلها - مع ما فيها من الأسرار - ناقضة أيضاً لما ادعوا من البنوة بما ارتكبوه من الذنوب من تحريف كلام الله وسماع الكذب وأكل السحت والإعراض عن أحكام التوراة والحكم بغير حكم الله ، أتبعها ما{[26028]} أتى به عيسى عليه السلام الذي ادعى فيه النصارى البنوة الحقيقية والشركة في الإلهية ، وقد أتى بتصديق التوراة في الشهادة على من خالفها من اليهود بالتبرؤ{[26029]} من الله ، مؤكداً لما فيها من التوحيد الذي هو عماد الدين وأعظم آياتها التي أخذت عليهم بها العهود ووضعت في تابوت الشهادة{[26030]} الذي كانوا يقدمونه أمامهم في الحروب ، فإن كانوا باقين على ما فيه من الميثاق نصروا وإلا خذلوا ، وناسخاً لشريعتهم مجازاة لهم من جنس ما كانوا يعملون من التحريف ، وشاهداً{[26031]} على{[26032]} من أطراه بالضلال فقال : { وقفينا } إلى آخرها ، وكذا كل{[26033]} ما بعدها من آياتهم إلى آخر السورة ، لا تخلوا آية منها من التعرض{[26034]} إلى نقض{[26035]} دعواهم لها بذكر ذنب ، أو ذكر عقوبة عليه ، أو ذكر تكذيب لهم من كتابهم أو نبيهم ، والمعنى : أوجدنا{[26036]} التقفية ، وهي اتباع شيء بشيء{[26037]} تقدِّمه{[26038]} ، فيكون أتيا في قفاه لكونه وراءه ، وإلقاؤه في مظهر العظمة لتعظيم شأن عيسى عليه السلام { على آثارهم } أي النبيين الذين يحكمون بالتوراة ، وذكر الأثر يدل على أنهم كانوا قد تركوا دينهم ، لم يبق منه إلا رسم خفي { بعيسى } ونسبه إلى أمه إشارة إلى أنه لا{[26039]} والد له تكذيباً لليهود ، وإلى أنه عبد مربوب تكذيباً للنصارى ، فقال : { ابن مريم مصدقاً } أي عيسى عليه السلام في الأصول وكثير من{[26040]} الفروع و { لما بين يديه } أي مما أتى به موسى عليه السلام قبله { من التوراة } وأشار إلى أنه ناسخ لكثير من أحكامها بقوله : { وآتيناه الإنجيل } أي أنزلناه بعظمتنا عليه كما أنزلنا التوراة على موسى عليه السلام .
ولما{[26041]} كان في الإنجيل المحكم الذي يفهمه كل أحد ، والمتشابه الذي لا يفهمه إلا الأفراد من خلص العباد ، ولا يقف بَعدَ فهمه عند حدوده إلا المتقون ، قال مبيناً لحاله : { فيه } أي آتيناه{[26042]} إياه بحكمتنا وعظمتنا كائناً{[26043]} فيه { هدى } أي وهو المحكم ، يهتدي به كل أحد{[26044]} سمعه إلى صراط مستقيم { ونور } أي حسن بيان كاشف للمشكلات{[26045]} ، لا يدع بذلك الصراط لبساً .
ولما كان الناسخ للشيء بتغيير حكمه قد يكون مكذباً له ، أعلم أنه ليس كذلك ، بل هو مع{[26046]} النسخ للتوراة مصدق لها فقال - أي{[26047]} مبيناً لحال الإنجيل عطفاً على محل { فيه هدى } : { ومصدقاً{[26048]} } أي الإنجيل بكماله { لما بين يديه } ولما كان الذي نزل قبله كثيراً ، عين{[26049]} المراد بقوله : { من التوراة } فالأول صفة لعيسى عليه السلام ، والثاني صفة لكتابه ، بمعنى أنه هو{[26050]} والتوراة والإنجيل متصادقون ، فكل من الكتابين يصدق الآخر وهو يصدقهما ، لم يتخالفوا في شيء ، بل هو متخلق{[26051]} بجميع ما أتى به .
ولما كان المتقون خلاصة الخلق ، فهم الذين يُنزلون كل ما في كتب الله من محكم ومتشابه على ما يتحقق به أنه هدى ويتطابق به المتشابه والمحكم ، وكان قد بين أن فيه من الهدى ما يسهل به رد المتشابه إليه فصار بعد البيان كله هدى ، قال معمماً بعد ذلك التخصيص{[26052]} : { وهدى وموعظة للمتقين * } أي كل ما فيه يهتدون به{[26053]} ويتعظون فترق قلوبهم ويعتبرون به وينتقلون مترقين من حال عالية إلى حال أعلى منها .
ذكرُ بعض{[26054]} ما يدل على ذلك من الإنجيل الذي بين ظهراني النصارى الآن وقد مزجتُ فيه{[26055]} كلام بعض{[26056]} الأناجيل ببعض وأغلب السياق لمتى ، وعينتُ بعض ما خالفه ، قال لوقا : وجاء إليه قوم وأخبروه خبر الجليليين الذين خلط بيلاطس دماءهم مع دماء ذبائحهم{[26057]} ، فأجاب يسوع وقال لهم : لا تظنوا أن أولئك الجليليين{[26058]} أشد خطأ من كل الجليليين{[26059]} إذا أصابتهم هذه الأوجاع ، لا أقول لكم ، إن لم تتوبوا كلكم أنتم تهلكون مثلهم ، وهؤلاء الثمانية عشر الذين سقط عليهم البرج في سيلوخا وقتلهم أتظنون أنهم أكبر جرماً من جميع سكان يروشليم ، كلا أقول لكم ، إن لم تتوبوا فجميعكم يهلك ؛ وقال لهم : شجرة تين كانت لواحد مغروسة{[26060]} في كرمه ، جاء يطلب فيها ثمرة فلم يجد ، فقال للكرام : هذه ثلاث سنين آتي وأطلب فيها{[26061]} ثمرة فلا أجد ، اقطعها لئلا تبطل الأرض ، فقال له : يا رب ! دعها في هذه السنة{[26062]} لأنكحها وأصلحها ، لعلها تثمر في السنة الآتية ، فإن هي أثمرت وإلا أقطعها . قال متى : ولما نزل من الجبل تبعه{[26063]} جمع كبير وإذا أبرص قد جاء فسجد{[26064]} له وقال : إن شئت فأنت قادر أن تطهرني ، فمد يده ولمسه وقال له{[26065]} : قد شئت فاطهر ، وللوقت طهر برصه ، وقال له يسوع : لا تقل لأحد ولكن امض فأرٍ نفسَك للكاهن وقدم قرباناً كما أمر موسى للشهادة عليهم - وقال مرقس : بشهادتهم - قال لوقا : فذاع عنه الكلام وزاد ، واجتمع جمع كثير ليسمعوا منه ويستشفوا{[26066]} من أمراضهم ، وأما هو فكان يمضي إلى البرية ويصلي هناك . وقال متى : ولما دخل كفرناحوم جاء إليه قائد مائة فطلب إليه قائلاً : يا رب ! فتاي ملقى في البيت مخلع وسقيم جداً ، فقال له : إني آتي وأبرئه ، فأجاب قائد المائة وقال : يا رب ! لست مستحقاً أن تدخل تحت سقف بيتي ، ولكن قل كلمة فقط فيبرأ فتاي لأني تحت سلطان ، ولي{[26067]} جند ، إن قلت لهذا : اذهب ، ذهب{[26068]} ، ولآخر : ائت ، أتى{[26069]} ، ولعبدي : اعمل هذا ، عمل{[26070]} ، فلما سمع يسوع تعجب وقال للذين يتبعونه : الحق أقول لكم ! إنني{[26071]} لم أجد مثل هذه الأمانة في إسرائيل ، أقول لكم : إن كثيراً يأتون من المشرق والمغرب - وقال لوقا : والشمال واليمين{[26072]} - يتكئون{[26073]} مع إبراهيم{[26074]} وإسحاق ويعقوب{[26075]} ؛ قال لوقا : وكل الأنبياء في ملكوت الله وأنتم خارجاً ، ويكون الأولون{[26076]} آخرين والآخرون أولين ؛ وقال متى : في{[26077]} ملكوت السماوات ، وبنو الملكوت يلقون في الظلمة البرانية ، الموضع الذي يكون فيه البكاء وصرير الأسنان ، وقال يسوع{[26078]} لقائد{[26079]} المائة : اذهب كأمانتك يكن لك ، فبرأ الفتى في تلك الساعة ، وقال لوقا : ولما أكمل جميع كلامه ودخل كفرناحوم ، وكان عبد{[26080]} لقائد المائة قد قارب الموت وكان كريماً عنده ، فلما سمع بيسوع أرسل إليه{[26081]} شيوخ{[26082]} اليهود يسألونه المجيء ليخلص عبده ، فلما جاؤوا إلى يسوع طلبوا منه باجتهاد وقالوا : إنه مستحق أن يفعل{[26083]} معه هذا ، لأنه محب لأمتنا وهو بنى لنا{[26084]} كنيسة ، فمضى{[26085]} يسوع معهم{[26086]} ، وفيما هو قريب من البيت أرسل إليه قائد المائة أصدقاءه قائلاً : يا رب ! لا تتعب{[26087]} فإني لا أستحق أن تدخل{[26088]} تحت سقف بيتي ، من أجل ذلك لم أستحق أن أجيء أنا إليك ، لكن قل كلمة فيبرأ ، لأني رجل ذو{[26089]} سلطان وتحت يدي جند{[26090]} فأقول لهذا : امض ، فيمضي ، ولآخر : ائت ، فيأتي ، فلما سمع يسوع هذا تعجب منه{[26091]} والتفت إلى الجمع الذي يتبعه وقال : الحق أقول لكم ! إني لم أجد في بني{[26092]} إسرائيل مثل{[26093]} هذه الأمانة ، فرجع المرسلون{[26094]} إلى اليبت فوجدوا المريض قد برأ ، وفي غد كان يسوع ماضياً إلى مدينة اسمها نايين{[26095]} وتبعه تلاميذه أجمع وجمع كبير ، فلما قرب من باب المدينة إذا محمول قد مات وحيداً لأمه وكانت أرملة ، وجمع كبير من أهل المدينة معها ، فلما رآها الرب تحنن{[26096]} عليها وقال لها : لا تبكي ، وتقدم ولمس النعش فوقف الحاملون له ، وقال له{[26097]} : أيها الشاب ! لك أقول : قم واجلس ! فجلس الميت وبدأ يتكلم ، ودفعه لأمه ، ولحقهم خوف{[26098]} ومجدوا الله قائلين : لقد قام فينا نبي عظيم ، وتعاهد الله شعبه بصلاح ، فذاع هذا الكلام في كل اليهودية وكل الكور التي{[26099]} حولها .
قال متى : وجاء يسوع إلى بيت بطرس{[26100]} فنظر إلى حماته{[26101]} ملقاة تحمى ؛ وقال{[26102]} مرقس : وجاء إلى بيت سمعان وأندراوس مع يعقوب ويوحنا فرأى{[26103]} حماة سمعون في حمى شديدة فقالوا له من أجلها ، فقدم{[26104]} وأمسك بيدها وأقامها ؛ وقال{[26105]} متى : فمس يدها فتركتها{[26106]} الحمى وقامت تخدمهم{[26107]} ؛ وقال لوقا : ونهضت للوقت تخدمهم ، فلما كان المساء - قال مرقس : عند غروب الشمس - قدموا إليه مجانين كثيراً ، قال مرقس : ووقف جميع أهل المدينة على الباب ، وأبرأ كثيراً ممن به علة رديئة ، وأخرج شياطين كثيرة{[26108]} ؛ وقال متى :{[26109]} وكان{[26110]} يخرج الأرواح بكلمة ، وأبرأ كل سقيم لكي يتم ما قيل في أشعياء{[26111]} النبي القائل : إنه أخذ أمراضنا{[26112]} وحمل أوجاعنا . {[26113]} وسحرا جدا قام وخرج إلى البرية ليصلي هناك وسمعون ومن معه يطلبونه ، فلما وجدوه قالوا له : إن الجمع يطلبك ، فقال لهم : سيروا بنا إلى القرى والمدن القريبة لنكرز ، فإني لهذا وافيتُ ، فأقبل يبشر في مجمعهم في كل الجليل ويخرج الشياطين ؛ وقال لوقا : وفي غد اليوم خرج وذهب إلى موضع قفر والجمع يطلبونه ، وجاؤوا إليه{[26114]} وأمسكوه{[26115]} لئلا يمضي من عندهم ، فقال لهم : إنه ينبغي{[26116]} أن أبشر{[26117]} في المدن الأخر بملكوت الله ، لأني لهذا أرسلت ، وكان يكرز في مجامع{[26118]} الجليل ، وكان لما اجتمع إليه جمع ليسمعوا كلام الله كان هو واقفاً على بحيرة جاناسر{[26119]} ، فرأى سفينتين موقفتين على شاطىء البحيرة والصيادون قد صعدوا عليها ليغسلوا شباكهم ، فصعد إلى إحداهما{[26120]} التي لسمعان ، وأمر أن يبعدها عن الشط قليلاً ، وجلس يعلم في الجمع{[26121]} من السفينة ؛ ولما أكمل كلامه قال لسمعان : تقدم إلى اللج{[26122]} وألقوا شباككم ! فقال : يا معلم ! قد تعبنا الليل أجمع ولم نأخذ شيئاً ، وبكلمتك نحن نلقي شباكنا ، {[26123]} ولما{[26124]} فعلوا ذلك أخذوا سمكاً كثيراً ، وكادت شباكهم تتخرق ، فأشاروا إلى شركائهم في السفينة الأخرى{[26125]} ليأتوا يعينوهم{[26126]} ، فلما جاؤوا ملؤوا السفينتين حتى كادتا أن تغرقا ، فلما رأى سمعان ذلك خر عند قدمي يسوع وقال له : ابعد عني يا سيدي ! لأني رجل خاطىء ، لأن الخوف اعتراه وكل من معه لأجل صيد الحيتان التي اصطادوا ، وكذلك يعقوب ويوحنا{[26127]} ابنا زبدي{[26128]} اللذان{[26129]} كانا صديقي سمعان ، فقال يسوع لسمعان : لا تخف ، من الآن تكون{[26130]} صياداً تصيد الناس ، وقربوا السفن إلى الشط وتركوا كل شيء وتبعوه ؛ وقال متى : فلما نظر يسوع إلى الجمع الذي حوله أمر أن يذهبوا إلى العبر ، فجاء إليه كاتب{[26131]} وقال له{[26132]} : يا معلم ! أتبعك إلى حيث تمضي ، فقال له يسوع : إن للثعالب أجحاراً ، ولطير{[26133]} السماء أوكاراً ، فأما ابن الإنسان فليس له موضع يسند رأسه ؛ و{[26134]} قال لوقا : وقال لآخر : اتبعني ، فقال : يا رب ! ائذن لي أن امضي أولاً وأدفن أبي ، فقال له يسوع : اتبعني ودع الموتى يدفنوا موتاهم ، وقال الآخر{[26135]} أيضاً{[26136]} : بل تأذن لي أولاً أن أرتب أهل بيتي ، فقال : ما من أحد يضع يده على سكة{[26137]} الفدان وينظر إلى ورائه يستحق ملكوت الله ؛ وقال متى : فلما صعد السفينة{[26138]} تبعه تلاميذه - وقال لوقا : صعد السفينة{[26139]} هو وتلاميذه وقال لهم : امضوا بنا إلى عبر{[26140]} البحيرة ، فساروا و{[26141]} فيما هم سائرون نام - وإذا اضطراب عظيم كان في البحر حتى كادت الأمواج تغطي السفينة - لأن الريح كانت مضادة{[26142]} لهم - وهو نائم ، فتقدم إليه تلاميذه وقالوا : يا رب ! - وقال مرقس : وكانت رياح عواصف عظيمة ، وكانت الأمواج تضرب السفينة وتدخلها المياه حتى كادت تمتلىء ، وهو نائم في مؤخرها على وسادة - فأيقظوه وقالوا له : يا معلم ! نجِّنا فقد هلكنا ! فقال لهم : ما أخافكم{[26143]} يا قليلي الأمانة ؟ حينئذ{[26144]} قام وانتهر الرياح والبحر ، فصار هدوءاً عظيماً ، ثم قال متى : فلما صعد السفينة وجاء إلى العبر ودخل مدينته قدم إليه مخلع ملقى على سرير - وفي إنجيل مرقس ولوقا : إنهم أرادوا الدخول به إليه فلم يقدروا لكثرة الجمع ، فصعدوا إلى السطح ودلوه بسريره إليه - حينئذ{[26145]} قال للمخلع : قم ! احمل سريرك{[26146]} واذهب إلى بيتك ! فقام ومضى إلى بيته ، فنظر الجمع وتعجبوا ومجدوا الله الذي أعطى هذا السلطان كذا{[26147]} للناس ؛ وقال يوحنا في إنجيله : وبعد هذا كان عيد اليهود فصعد يسوع إلى يروشليم ، وكان هناك بيروشليم مكان يسمى بالعبرانية بيت الرحمة ، وكان فيه خمسة أروقة ، وكان خلق كثير من المرضى مطروحين{[26148]} فيها وعمي ومقعدون وجافون{[26149]} ، فكانوا يتوقعون تحريك الماء ، لأن ملاكاً{[26150]} كان ينزل{[26151]} إلى الصبغة في حين بعد حين ، وكان يحرك{[26152]} الماء ، والذي كان ينزل فيه أولاً من بعد حركة الماء يبرأ من كل الوجع الذي به ، وكان هنا رجل سقيم منذ ثمان{[26153]} وثلاثين سنة ، فنظر إليه يسوع ملقى فقال له :{[26154]} أتحب{[26155]} أن تبرأ ؟ فقال : نعم يا سيدي ! ولكن ليس لي إنسان إذا تحرك الماء يلقيني في البركة أولاً{[26156]} ، فإلى أن أجيء أنا ينزل قدامي آخر ، فقال له : قم ، احمل سريرك وامض ، فمن ساعته برأ و{[26157]} نهض حاملاً سريره ، وكان ذلك اليوم{[26158]} يوم سبت ، فقال له اليهود : إنه يوم سبت ، ولا يحل لك{[26159]} أن تحمل{[26160]} سريرك ، فأجابهم : الذي أبرأني هو قال لي : احمل سريرك وامش ، فسألوه : من هو ؟ فلم يكن يعلم من هو ، لأن يسوع كان قد استتر في الجمع{[26161]} الكبير{[26162]} الذي كان في{[26163]} ذلك الموضع ، ثم قال : وقال لهم يسوع : لقد عملت عملاً واحداً{[26164]} فعجبتم بأجمعكم ، أعطاكم موسى الختان وليس هو من موسى ولكنه من الآباء ، وقد تختنون الإنسان يوم السبت لئلا تنقضوا{[26165]} سنة موسى ، فلِمَ تتذمرون{[26166]} عليّ لإبرائي{[26167]} الإنسان يوم السبت ، لا تحكموا بالمحاباة ولكن احكموا حكماً عدلاً ، ثم قال : فبينما هو مار رأى رجلاً ولد أعمى فقال تلاميذه : يا معلم ! من أخطأ ؟ هذا{[26168]} أم أبواه{[26169]} حتى أنه ولد أعمى ، فقال : لا هو ولا أبواه{[26170]} ، ولكن لتظهر{[26171]} أعمال الله فيه ، ينبغي أن أعمل أعمال من أرسلني ما دام النهار ، سيأتي الليل الذي لا يستطيع أحد أن يعمل فيه عملاً{[26172]} ، ما دمت في العالم أن نور العالم - قال هذا وتفل على التراب وصنع من تفله طيناً وطلى به عيني ذلك الأعمى وقال له : امض واغتسل في عين سيلوخا{[26173]} التي تأويلها{[26174]} المبعوثة{[26175]} ، فمضى وغسلهما فعاد ينظر ، فأما جيرانه والذين كانوا يرونه يتسول فقالوا : ليس هو هذا الذي كان يجلس ويتسول ، وآخرون قالوا :{[26176]} إنه هو ، وآخرون قالوا{[26177]} : إنه يشبهه ، فأما هو فكان يقول : إني{[26178]} أنا هو ، فقالوا له : كيف انفتحت عيناك ؟ فقص عليهم القصة{[26179]} ، فقالوا : أين هو ذاك ؟ فقال : ما أدري ، فأتوا به إلى الفريسيين ، لأن يسوع صنع الطين يوم السبت ، فسأله الفريسيون{[26180]} فأخبرهم ، فقال قوم منهم : ليس هذا الرجل من الله إذ لا يحفظ السبت ، وآخرون{[26181]} قالوا : كيف يقدر رجل خاطىء أن يعمل هذه الآيات ! فوقع بينهم لذلك شقاق ، فقالوا للأعمى : ما تقول أنت من أجله ؟ قال لهم : إنه{[26182]} نبي ، ولم يصدق اليهود أنه كان أعمى حتى دعوا أبويه وسألوهما ، فقالا{[26183]} : نحن نعلم أن هذا ولدنا وأنه وُلِدَ أعمى ، و{[26184]} وقعت بين الأعمى وبينهم محاورة ، كان آخر ما{[26185]} قالوا له{[26186]} : أنت ولدت بالخطايا وأنت تعلمنا ! وأخرجوه .
وقال متى : واجتاز{[26187]} يسوع هناك فرأى إنساناً جالساً على التعشير اسمه متى فقال له{[26188]} : اتبعني ، {[26189]} فترك كل شيء{[26190]} {[26191]} وقام{[26192]} وتبعه . وقال لوقا : وبعد هذا خرج فنظر إلى عشار اسمه لاوى جالساً على المكس ، فقال له : اتبعني ، فترك كل شيء وقام وتبعه{[26193]} ، وصنع له لاوى في بيته وليمة عظيمة ، وكان جمع كثير{[26194]} من العشارين و{[26195]} آخرين متكئين{[26196]} معه . وقال مرقس : ثم خرج إلى شاطىء البحر واجتمع إليه جمع كبير{[26197]} وعلمهم ، وعند مضيه رأى لاوى{[26198]} ابن{[26199]} حلفي{[26200]} جالساً على العشارين{[26201]} فقال له{[26202]} : اتبعني ، فقام وتبعه ، وبينما{[26203]} هو متكىء في بيته - وقال متى : وبينما{[26204]} هو متكىء في{[26205]} بيت سمعان{[26206]} - جاء عشارون{[26207]} {[26208]} وخطأة كثيرون{[26209]} ، فاتكؤوا مع يسوع وتلاميذه ، فلما نظر الفريسيون{[26210]} قالوا لتلاميذه{[26211]} : لماذا معلمكم يأكل مع العشارين والخطأة{[26212]} ؟ فلما سمع يسوع قال لهم : الأصحاء لا يحتاجون إلى طبيب ، لكن ذوو الأسقام ، اذهبوا فاعلموا ما هو ، إني أريد رحمة لا ذبيحة ، لم آت لأدعو الصديقين لكن الخطأة{[26213]} للتوبة . وقال لوقا : وطلب إليه واحد من الفريسيين أن يأكل معه ، فدخل بيت ذلك الفريسي وجلس ، وكان في تلك المدينة امرأة خاطئة ، فلما علمت أنه متكىء في بيت ذلك الفريسي أخذت قارورة طيب ووقفت{[26214]} من ورائه عند رجليه باكية ، وبدأت{[26215]} تبل قدميه بدموعها وتمسحها بشعر رأسها ، وكانت تقبل قدميه وتدهنهما{[26216]} بالطيب ، فلما رأى ذلك الفريسي الذي دعاه فكر في نفسه قائلاً : لو كان هذا نبياً علم ما هذه وأنها خاطئة{[26217]} ، فأجاب يسوع وقال له : يا سمعان ! غريمان عليهما لإنسان{[26218]} دين ، على أحدهما خمسمائة{[26219]} دينار وعلى{[26220]} الآخر خمسون ، وليس{[26221]} لهما ما يوفيان فوهب لهما ، فأيهما أكثر حبّاً له ؟ فقال : أظن الذي وهب له الأكثر ، فقال له : بالحق حكمت ؛ ثم التفت إلى المرأة وقال : يا{[26222]} سمعان ! دخلت بيتك فلم تسكب على رجلي ماء وهذه بلت رجلي بالدموع ومسحتهما بشعر رأسها ، أنت لم{[26223]} تقبلني وهذه منذ دخلت لم تكف{[26224]} عن تقبيل قدمي ، أنت لم تدهن رأسي بزيت وهذه دهنت بالطيب قدمي ، لأجل ذلك أقول لك : إن خطاياها مغفورة لها ، لأنها أحبت{[26225]} كثيراً ، ثم قال لها : اذهبي بسلام ! إيمانك{[26226]} خلصك ؛ وكان بعد ذلك يسير إلى كل مدينة ويكرز ويبشر بملكوت الله و{[26227]} معه الاثنا عشر{[26228]} ونسوة كن أبرأهن من الأمراض والأرواح الخبيثة : مريم التي تدعى المجدلانية التي أخرج منها سبعة شياطين ، ويونا امرأة خوزي خازن هيرودس{[26229]} ، وأخر كثيرات .
وقال متى : حينئذ جاء إليه تلاميذ{[26230]} يوحنا قائلين : لماذا نحن والفريسيون نصوم كثيراً وتلاميذك لا يصومون ؟ فقال لهم يسوع :{[26231]} لا يستطيع بنو العرس{[26232]} أن ينوحوا ما دام العريس معهم ، وستأتي أيام إذا ارتفع العريس عنهم حينئذ يصومون ؛ ليس أحد يأخذ خرقة جديدة يجعلها في{[26233]} ثوب بال ، لأنها تأخذ{[26234]} ملأها من الثوب فيصير{[26235]} الخرق أكبر ، وقال مرقس : إنه لا يرقع{[26236]} إنسان ثوباً بالياً بخرقة جديدة إلا مد الجديد البالي فيخرقه ؛ وقال متى : ولا تُجْعَلُ خمر جديدة في زقاق عتق{[26237]} فتنشق الزقاق وتهلك وتهراق{[26238]} الخمر ، لكن تجعل خمر{[26239]} جديدة في زقاق جدد فيتحفظان جميعاً ؛ و{[26240]} قال لوقا : وما من أحد يشرب قديماً فيحب{[26241]} الجديد للوقت لأنه يقول : إن القديم أطيب ، وقال متى : وفيما هو يكلمهم{[26242]} إذا رئيس قد جاء إليه ساجداً قائلاً : إن ابنتي ماتت{[26243]} الآن ، تأتي فتضع يدك عليها فتحيى{[26244]} ! فقام يسوع وتبعه تلاميذه ، فإذا{[26245]} امرأة بها نزيف دم منذ اثنتي عشرة{[26246]} سنة ؛ قال مرقس : أعيت من الأطباء ، أنفقت كل مالها ، لم تجد راحة بل تزداد وجعاً ، فلما سمعت بيسوع - قال متى : جاءت من خلفه ومست طرف ثوبه - فالتفت يسوع فرآها فقال لها : ثقي{[26247]} يا ابنة ! إيمانك خلصك ، فبرئت المرأة من{[26248]} تلك الساعة ، وجاء يسوع إلى بيت الرئيس ؛ و{[26249]} قال مرقس : ولم يدع أحداً يتبعه إلا{[26250]} بطرس ويعقوب ويوحنا أخا يعقوب - انتهى . فنظر إلى الجمع مضطربين ، فقال لهم : اخرجوا ، لم تمت الجارية لكنها نائمة ، فضحكوا منه ، فلما خرج الجمع دخل وأمسك يدها{[26251]} فقامت الجارية ؛ وقال مرقس : وأخرج جميعهم وأخذ معه أبا الصبية وأمها والذين معه ، ثم دخل إلى الموضع الذي فيه الصبية موضوعة ، وأخذ بيدها وقال لها : طليثا{[26252]} ! قومي ، الذي تأويله : يا صبية ! لك أقول : قومي ، فللوقت قامت الصبية ومشت ، وكان لها{[26253]} اثنتا عشرة{[26254]} سنة ، فبهتوا وعجبوا عجباً عظيماً ، فأمرهم كثيراً أن لا يُعْلِموا أحداً بهذا ، وقال : أطعموها تأكل ؛ وقال متى : وخرج خبرها{[26255]} في جميع تلك الأرض .