قوله تعالى : { والذين تدعون من دونه لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا } ، يعني الأصنام .
قوله تعالى : { وتراهم } يا محمد .
قوله تعالى : { ينظرون إليك } ، يعني الأصنام .
قوله تعالى : { وهم لا يبصرون } ، وليس المراد من النظر حقيقة النظر ، إنما المراد منه المقابلة ، تقول العرب : داري تنظر إلى دارك ، أي : تقابلها ، وقيل : { وتراهم ينظرون إليك } أي : كأنهم ينظرون إليك ، كقوله تعالى : { وترى الناس سكارى } [ الحج : 2 ] ، أي : كأنهم سكارى ، هذا قول المفسرين . وقال الحسن : { وإن تدعوهم إلى الهدى } ، يعني : المشركين ، { لا يسمعوا } لا يعقلوا ذلك بقلوبهم ، { وتراهم ينظرون إليك } بأعينهم { وهم لا يبصرون } بقلوبهم .
198 ، 197 وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ * وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ .
وهذا أيضا في بيان عدم استحقاق هذه الأصنام التي يعبدونها من دون اللّه لشيء من العبادة ، لأنها ليس لها استطاعة ولا اقتدار في نصر أنفسهم ، ولا في نصر عابديها ، وليس لها قوة العقل والاستجابة .
فلو دعوتها إلى الهدى لم تهتد ، وهي صور لا حياة فيها ، فتراهم ينظرون إليك ، وهم لا يبصرون حقيقة ، لأنهم صوروها على صور الحيوانات من الآدميين أو غيرهم ، وجعلوا لها أبصارا وأعضاء ، فإذا رأيتها قلت : هذه حية ، فإذا تأملتها عرفت أنها جمادات لا حراك بها ، ولا حياة ، فبأي رأي اتخذها المشركون آلهة مع اللّه ؟ ولأي مصلحة أو نفع عكفوا عندها وتقربوا لها بأنواع العبادات ؟
فإذا عرف هذا ، عرف أن المشركين وآلهتهم التي عبدوها ، لو اجتمعوا ، وأرادوا أن يكيدوا من تولاه فاطر الأرض والسماوات ، متولي أحوال عباده الصالحين ، لم يقدروا على كيده بمثقال ذرة من الشر ، لكمال عجزهم وعجزها ، وكمال قوة اللّه واقتداره ، وقوة من احتمى بجلاله وتوكل عليه .
وقيل : إن معنى قوله وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ أن الضمير يعود إلى المشركين المكذبين لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم ، فتحسبهم ينظرون إليك يا رسول اللّه نظر اعتبار يتبين به الصادق من الكاذب ، ولكنهم لا يبصرون حقيقتك وما يتوسمه المتوسمون فيك من الجمال والكمال والصدق .
( وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا ، وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون ) . .
وإذا كان هذا التقرير ينطبق على آلهة الوثنية الساذجة في جاهلية العرب القديمة . . فإنه ينطبق كذلك على كل الآلهة المدعاة في الجاهلية الحديثة . .
إن هؤلاء المشركين الجدد يدعون من دون الله أولياء من أصحاب السلطان الظاهر في الأرض ! ولكن هؤلاء الأولياء لا يستطيعون نصرهم ولا أنفسهم ينصرون . حين يجري قدر الله بما يشاء في أمر العباد في الموعد المرسوم .
وإذا كانت آلهة العرب الساذجة لا تسمع ، وعيونها المصنوعة من الخرز أو الجوهر تنظر ولا تبصر ! فإن بعض الآلهة الجديدة كذلك لا تسمع ولا تبصر . . الوطن . والقوم . والإنتاج . والآلة . وحتمية التاريخ ! إلى آخر تلك الآلهة المدعاة في الجاهلية الحديثة ! والذي يبصر منها ويسمع - وهي الآلهة المدعاة من البشر ، التي تعطى خصائص الألوهية فتشرع بأمرها وتحكم - هي كذلك لا تسمع ولا تبصر . . هي من الذين يقول الله فيهم : ( ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن والإنس ، لهم قلوب لا يفقهون بها ، ولهم أعين لا يبصرون بها ، ولهم آذان لا يسمعون بها . . أولئك كالأنعام بل هم أضل ، أولئك هم الغافلون ) !
إن صاحب الدعوة إلى الله ، إنما يصادف حالة واحدة من الجاهليات المتعددة . . وإنما ينبغي أن يقول ما أمر الله سبحانه نبيه [ ص ] أن يقول :
( قل : ادعوا شركاءكم ثم كيدون فلا تنظرون . إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين . والذين تدعون من دونه لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون . وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون ) . . فإنما هم هم . . في كل أرض وفي كل حين ! ! !
وقوله تعالى : { وإن تدعوهم } الآية ، قالت فرقة : المخاطبة للنبي صلى الله عليه وسلم وأمته ، والهاء والميم في قوله { تدعوهم } للكفار ووصفهم بأنهم لا يسمعون ولا يبصرون إذ لم يتحصل لهم عن النظر والاستماع فائدة ولا حلوا منه بطائل ، قاله السدي ومجاهد ، وقال الطبري : المراد بالضمير المذكور الأصنام ، ووصفهم بالنظر كناية عن المحاذاة والمقابلة وما فيها من تخييل النظر كما تقول دار فلان تنظر إلى دار فلان ، ومعنى الآية على هذا تبين جمودية الأصنام وصغر شأنها ، وذهب بعض المعتزلة إلى الاحتجاج بهذه الآية على أن العباد ينظرون إلى ربهم ولا يرونه ، ولا حجة لهم في الآية لأن النظر في الأصنام مجاز محض .
قال القاضي أبو محمد : وإنما تكرر القول في هذا وترددت الآيات فيه لأن أمر الأصنام وتعظيمها كان متمكناً من نفوس العرب في ذلك الزمن ومستولياً على عقولها ، فأوعب القول في ذلك لطفاً من الله تعالى بهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.