مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَإِن تَدۡعُوهُمۡ إِلَى ٱلۡهُدَىٰ لَا يَسۡمَعُواْۖ وَتَرَىٰهُمۡ يَنظُرُونَ إِلَيۡكَ وَهُمۡ لَا يُبۡصِرُونَ} (198)

{ إنهم لا يقدرون على شيء } بل إنهم قد بلغوا في الجهل والحماقة إلى أنك لو دعوتهم وأظهرت أعظم أنواع الحجة والبرهان لم يسمعوا بعقولهم ذلك البتة .

فإن قيل : لم يتقدم ذكر المشركين ، وإنما تقدم ذكر الأصنام فكيف يصح ما ذكر ؟

قلنا : قد تقدم ذكرهم في قوله تعالى : { قل ادعوا شركاءكم ثم كيدون } أما قوله تعالى : { وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون } فإن حملنا هذه الصفات على الأصنام . قلنا : المراد من كونها ناظرة كونها مقابلة بوجهها وجوه القوم من قولهم : جبلان متناظران أي متقابلان ، فإن حملناها على المشركين فالمعنى : أنهم وإن كانوا ينظرون إلى الناس إلا أنهم لشدة إعراضهم عن الحق لم ينتفعوا بذلك النظر والرؤية ، فصاروا كأنهم عمي ، وهذه الآية تدل على أن النظر غير الرؤية ، لأنه تعالى أثبت النظر ونفي الرؤية ، وذلك يدل على التغاير ، وأجيب عن هذا الاستدلال فقيل : معناه تحسبهم أنهم ينظرون إليك مع أنهم في الحقيقة لا ينظرون ، أي تظن أنهم ينظرونك مع أنهم لا يبصرونك ، والرؤية بمعنى الحسبان واردة قال تعالى : { وترى الناس سكارى وما هم بسكارى } .