ولما كان دعاء الجماعة أقرب إلى السماع من دعاء الواحد ، نسق على ما قبله قوله : { وإن تدعوهم } أي يا من هم أضل منهم وأعجز { إلى الهدى } أي إلى{[34378]} الذي هو أشرف الخلال ليهتدوا في نصر أنفسهم أو غير ذلك { لا يسمعوا } أي شيئاً من ذلك الدعاء ولا غيره ؛ ولما كان حالهم في البصر بالنسبة إلى كل أحد على حد سواء ، قال مفرداً للمخاطب : { وتراهم } أي أيها الناظر إليهم { ينظرون إليك } أي كأنهم ينظرون لما صنعوا لهم من الأعين { وهم لا يبصرون* } أي نوعاً من الإبصار ، وما أشبه مضمون هذه الآيات بما{[34379]} في سفر أنبياء بني إسرائيل في نبوة{[34380]} أشعياً : هكذا يقول الرب ملك إسرائيل ومخلصه : أنا الأول وأنا الآخر ، وليس إله غيري . ومن مثلي{[34381]} يدعي ويظهر قوته ويخبر بما كان منذ بسطت الدنيا إلى الأبد ، والآيات القديمة تظهر للشعوب ، فلا يفزعون ولا يخافون ، ألم أسمعكم منذ{[34382]} أول الدهر وأظهرها لكم وأبين لكم الأمور وأنتم شهدائي أن ليس إله غيري ، وليس عزيز منيع إلا وأنا أعز منه ، لأن جميع الصناع الذين يعملون الأصنام إنما عملهم باطل وليس في أعمالهم منفعة ، وأن{[34383]} الصناع الذين{[34384]} يعملونها هم{[34385]} يشهدون عليها أنها لا تبصر ولا تسمع ولا تعلم ، لذلك يخزي جميع صناع الأوثان المسبوكة لأن جميع ما صنعوا{[34386]} لا عقل له ، فيجمعون كلهم ويخزون ويفتضحون لأن النجار نحت بحديده وهيأ صنماً بمنقاره وسدده بقوة ساعده وجاع وعطش في عمله . والنجار اختار خشبة وقدرها وألصق بعضها ببعض بالغراء وركبها وعملها كشبه الإنسان ، أقام من الخشب الذي قطع من الغيضة كشبه رجل الذي نبت من شرب المطر ليصير للناس للوقود فعملوه لهم إلهاً وعبدوه وسجدوا له ، الذي ينصفه خبزوا لهم خبزاً وشووا لهم لحماً على جمرة وأكلوا وشربوا واصطلوا{[34387]} وقالوا : قد حمينا لأنا قد{[34388]} أوقدنا ناراً واصطلينا ، والذي بقي منه اتخذوه إلهاً منحوتاً وسجدوا له وصلوا وقالوا : نجّنا لأنك إلهنا .
ولم يخطر على بالهم فكر أن يقولوا : إنا قد أوقدنا نصفه بالنار ، وخبزنا خبزنا وشوينا على جمره اللحم وأكلنا ، ولم يعلموا أن باقيه عمل منه صنم وسجدوا له ، لأن قلوبهم متمرغة في رماده ، وضلت عقولهم فلا يقدرون ينجون أنفسهم ولا{[34389]} يقولون : إن أيادينا{[34390]} عملت الباطل واتخذت الكذب ، ثم قال : أليس أنا الرب منذ أول ، وليس إله غيري ولا مخلص سواي ، ادنوا إليّ يا جميع الذين{[34391]} في أقطار الأرض لتنجوا لأني أنا الرب وليس إله غيري ، حلفت بيميني وأخرجت كلمة صدق ولست أرجع عنها لأنه لي تنحني كل ركبة ، وبي يحلف كل إنسان ويقول : إنما البر بالرب ، وإليه تدنو{[34392]} الأعزاء ويخزى جميع المبغضين ، وبي يمتدح ويتبرر ، بمن شبهتموني ؟ وإلى من نسبتموني ؟ بالضالين الذين أخرجوا الذهب من أكياسهم و{[34393]}وزنوا الفضة بالميزان واكتروا الصناع{[34394]} حتى عملوا لهم آلهة يسجدون لها ويحملونها على أكتافهم ويمشون بها ثم يصلون لها ويدعونها لا تجيبهم ولا تخلصهم من شدائدهم ثم يحملونها أيضاً ويردونها إلى مواضعها ، اذكروا هذه الأشياء واعقلوا أيها الأثمة واخطروها على قلوبكم واذكروا الأيام التي كانت من الابتداء ، إني أنا الله الخالق وليس إله غيري ولا مثلي ، فأنا{[34395]} أظهر العتيدات وأخبر بالذي يكون قبل أن يكون ، وأثبت رأيي وأكمل إراداتي وهواي ، وأدعو من في المشارق فيأتون أسرع من الطير ، وأتاني{[34396]} الرجل الذي قد عمل مسرتي من الأرض البعيدة ، لأني أنا إذا{[34397]} تكلمت بشيء فعلته . أنا خلقت وأنا أخلق ؛ وفي الزبور في المزمور الثالث عشر بعد المائة{[34398]} : إلهنا في الأرض ، كل ما يشاء يصنع ، أوثان الأمم ذهب وفضة عمل أيدي البشر ، لها أفواه ولا تتكلم ، لها أعين ولا تنظر ، لها آذان{[34399]} ولا تسمع ، وآناف ولا تشم ، وأيد{[34400]} ولا تلمس ، وأرجل ولا تمشي ، ولا صوت بحناجرها ولا روح في أفواهها ، فليكن صانعوها مثلها وجميع من يتوكل{[34401]} عليها - انتهى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.