معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{ءَاخِذِينَ مَآ ءَاتَىٰهُمۡ رَبُّهُمۡۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ قَبۡلَ ذَٰلِكَ مُحۡسِنِينَ} (16)

قوله تعالى : { وإن المتقين في جنات وعيون* آخذين ما آتاهم } أعطاهم ، { ربهم } من الخير والكرامة ، { إنهم كانوا قبل ذلك } قبل دخولهم الجنة ، { محسنين } في الدنيا .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ءَاخِذِينَ مَآ ءَاتَىٰهُمۡ رَبُّهُمۡۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ قَبۡلَ ذَٰلِكَ مُحۡسِنِينَ} (16)

{ آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ } يحتمل أن المعنى أن أهل الجنة قد أعطاهم مولاهم جميع مناهم ، من جميع أصناف النعيم ، فأخذوا ذلك ، راضين به ، قد قرت به أعينهم ، وفرحت به نفوسهم ، ولم يطلبوا منه بدلاً ، ولا يبغون عنه حولاً ، وكل قد ناله من النعيم ، ما لا يطلب عليه المزيد ، ويحتمل أن هذا وصف المتقين في الدنيا ، وأنهم آخذون ما آتاهم الله ، من الأوامر والنواهي ، أي : قد تلقوها بالرحب ، وانشراح الصدر ، منقادين لما أمر الله به ، بالامتثال على أكمل الوجوه ، ولما نهى عنه ، بالانزجار عنه لله ، على أكمل وجه ، فإن الذي أعطاهم الله من الأوامر والنواهي ، هو أفضل العطايا ، التي حقها ، أن تتلقى بالشكر [ لله ] عليها ، والانقياد .

والمعنى الأول ، ألصق بسياق الكلام ، لأنه ذكر وصفهم في الدنيا ، وأعمالهم بقوله : { إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ } الوقت الذي وصلوا به إلى النعيم { مُحْسِنِينَ } وهذا شامل لإحسانهم بعبادة ربهم ، بأن يعبدوه كأنهم يرونه ، فإن لم يكونوا يرونه ، فإنه يراهم ، وللإحسان إلى عباد الله ببذل النفع والإحسان ، من مال ، أو علم ، أو جاه أو نصيحة ، أو أمر بمعروف ، أو نهي عن منكر ، أو غير ذلك من وجوه الإحسان{[844]}  وطرق الخيرات .

حتى إنه يدخل في ذلك ، الإحسان بالقول ، والكلام اللين ، والإحسان إلى المماليك ، والبهائم المملوكة ، وغير المملوكة{[845]} .


[844]:- في ب: من وجوه البر.
[845]:- كذا في ب، وفي أ: التي تملك والتي لا تملك.
 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ءَاخِذِينَ مَآ ءَاتَىٰهُمۡ رَبُّهُمۡۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ قَبۡلَ ذَٰلِكَ مُحۡسِنِينَ} (16)

( آخذين ما آتاهم ربهم )من فضله وإنعامه ، جزاء ما أسلفوا في الحياة الدنيا من عبادة لله كأنهم يرونه ، ويقين منهم بأنه يراهم : ( إنهم كانوا قبل ذلك محسنين ) . .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{ءَاخِذِينَ مَآ ءَاتَىٰهُمۡ رَبُّهُمۡۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ قَبۡلَ ذَٰلِكَ مُحۡسِنِينَ} (16)

{ آخذين ما آتاهم ربهم } قابلين لما أعطاهم راضين به ، ومعناه أن كل ما آتاهم حسن مرضي متلقى بالقبول . { إنهم كانوا قبل ذلك محسنين } قد أحسنوا أعمالهم وهو تعليل لاستحقاقهم ذلك .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{ءَاخِذِينَ مَآ ءَاتَىٰهُمۡ رَبُّهُمۡۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ قَبۡلَ ذَٰلِكَ مُحۡسِنِينَ} (16)

معنى { آخذين ما آتاهم ربهم } : أنهم قابلون ما أعطاهم ، أي راضون به فالأخذ مستعمل في صريحه وكنايته كناية رمزية عن كون ما يؤتَوْنه أكمل في جنسه لأن مدارك الجماعات تختلف في الاستجادة حتى تبلغ نهاية الجودة فيستوي الناس في استجادته ، وهي كناية تلويحية . وأيضاً فالأخذ مستعمل في حقيقته ومجازه لأن ما يؤتيهم الله بعضهم مما يُتناول باليد كالفواكه والشراب والرياحين ، وبعضه لا يتناول باليد كالمناظِر الجميلة والأصوات الرقيقة والكرامة والرضوان وذلك أكثر من الأول .

فإطلاق الأخذ على ذلك استعارة بتشبيه المعقول بالمحسوس كقوله تعالى : { خُذوا ما آتيناكم بقوة } في سورة البقرة ( 63 ) ، وقوله : { وأمرْ قَومَك يأخذوا بأحسنها } في سورة الأعراف ( 145 ) .

فاجتمع في لفظ { آخذين } كنايتان ومجاز . روى أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم « أن الله تعالى يقول : يا أهل الجنة . فيقولون : لبيك ربنا وسعديك والخيرُ في يديك . فيقول : هل رضيتم ؟ فيقولون : وما لنا لا نرضى يا ربنا وقد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك فيقول : ألا أعطيكم أفضلَ من ذلك فيقولون : وأي شيء أفضل من ذلك ؟ فيقول : أحُلّ عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً » . وفي إيثار التعبير عن الجلالة بوصف ( ربّ ) مضاففٍ إلى ضمير المتقين معنى من اختصاصهم بالكرامة والإيماء إلى أن سبب ما آتاهم هو إيمانهم بربوبيته المختصة بهم وهي المطابقة لصفات الله تعالى في نفس الأمر .

وجملة { إنهم كانوا قبل ذلك محسنين } تعليل لجملة { إن المتقين في جنات وعيون } ، أي كان ذلك جزاء لهم عن إحسانهم كما قيل للمشركين { ذوقوا فتنتكم } [ الذاريات : 14 ] . والمحسنون : فاعلو الحسنات وهي الطاعات .

وفائدة الظرف في قوله : { قبلَ ذلك } أن يؤتى بالإشارة إلى ما ذكر من الجنات والعيون وما آتاهم ربهم مما لا عين رأتْ ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر فيحصل بسبب تلك الإشارة تعظيم شأن المشار إليه ، ثم يفاد بقوله { قبل ذلك } ، أي قبل التنعم به أنهم كانوا محسنين ، أي عاملين الحسنات كما فسره قوله : { كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون } الآية . فالمعنى : أنهم كانوا في الدنيا مطيعين لله تعالى واثقين بوعده ولم يروه .