قوله تعالى : { الذين يستمعون القول } القرآن . { فيتبعون أحسنه } قال السدي : أحسن ما يؤمرون فيعملون به . وقيل : هو أن الله ذكر في القرآن الانتصار من الظالم ، وذكر العفو ، والعفو أحسن الأمرين . وقيل : ذكر العزائم والرخص فيتبعون الأحسن وهو العزائم ، وقيل : يستمعون القرآن وغير القرآن ، فيتبعون القرآن ، وقال عطاء ، عن ابن عباس : آمن أبو بكر بالنبي صلى الله عليه وسلم فجاءه عثمان ، وعبد الرحمن بن عوف ، وطلحة ، والزبير ، وسعد بن أبي وقاص ، وسعيد بن زيد ، فسألوه فأخبرهم بإيمانه ، فآمنوا فنزلت فيهم :{ فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه } وكله حسن . { أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب } . وقال ابن زيد : نزلت { والذين اجتنبوا الطاغوت } الآيتان في ثلاثة نفر كانوا في الجاهلية ، يقولون لا إله إلا الله ، زيد بن عمرو بن نفيل ، وأبو ذر الغفاري ، وسلمان الفارسي ، والأحسن قوله لا إله إلا الله .
ولما أخبر أن لهم البشرى ، أمره اللّه ببشارتهم ، وذكر الوصف الذي استحقوا به البشارة فقال : { فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ }
وهذا جنس يشمل كل قول فهم يستمعون جنس القول ليميزوا بين ما ينبغي إيثاره مما ينبغي اجتنابه ، فلهذا من حزمهم وعقلهم أنهم يتبعون أحسنه ، وأحسنه على الإطلاق كلام اللّه وكلام رسوله ، كما قال في هذه السورة : { اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا } الآية .
وفي هذه الآية نكتة ، وهي : أنه لما أخبر عن هؤلاء الممدوحين أنهم يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، كأنه قيل : هل من طريق إلى معرفة أحسنه حتى نتصف بصفات أولي الألباب ، وحتى نعرف أن من أثره علمنا أنه من أولي الألباب ؟
قيل : نعم ، أحسنه ما نص اللّه عليه { اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا } الآية .
{ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ } لأحسن الأخلاق والأعمال { وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ } أي : العقول الزاكية .
ومن لبهم وحزمهم ، أنهم عرفوا الحسن من غيره ، وآثروا ما ينبغي إيثاره ، على ما سواه ، وهذا علامة العقل ، بل لا علامة للعقل سوى ذلك ، فإن الذي لا يميز بين الأقوال ، حسنها ، وقبيحها ، ليس من أهل العقول الصحيحة ، أو الذى يميز ، لكن غلبت شهوته عقله ، فبقي عقله تابعا لشهوته فلم يؤثر الأحسن ، كان ناقص العقل .
هؤلاء من صفاتهم أنهم يستمعون ما يستمعون من القول ، فتلتقط قلوبهم أحسنه وتطرد ما عداه ، فلا يلحق بها ولا يلصق إلا الكلم الطيب ، الذي تزكو به النفوس والقلوب . . والنفس الطيبة تتفتح للقول الطيب فتتلقاه وتستجيب له . والنفس الخبيثة لا تتفتح إلا للخبيث من القول ولا تستجيب إلا له .
( أولئك الذين هداهم الله ) . .
فقد علم الله في نفوسهم خيراً فهداهم إلى استماع أحسن القول والاستجابة له . والهدى هدى الله .
فالعقل السليم هو الذي يقود صاحبه إلى الزكاة ، وإلى النجاة . ومن لا يتبع طريق الزكاة والنجاة فكأنه مسلوب العقل محروم من هذه النعمة التي أعطاها له الله .
{ الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه } وضع فيه الظاهر موضع ضمير { الذين اجتنبوا } للدلالة على مبدأ اجتنابهم وأنهم نقاد في الدين يميزون بين الحق والباطل ويؤثرون الأفضل فالأفضل . { أولئك الذين هداهم الله } لدينه . { وأولئك هم أولوا الألباب } العقول السليمة عن منازعة الوهم والعادة ، وفي ذلك دلالة على أن الهداية تحصل بفعل الله وقبول النفس لها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.