{ سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ } وهم ملائكة العذاب ، حتى يعلم من يغلبُ : أحزبُنا أو حزبه .
قال البخاري : حدثنا يحيى ، حدثنا عبد الرزاق ، عن مَعْمَر ، عن عبد الكريم الجَزَري ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : قال أبو جهل : لئن رأيت محمدًا يصلي عند الكعبة لأطأن على عُنُقه . فبَلغَ النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : " لئن فعله لأخذته الملائكة " . ثم قال : تابعه عمرو بن خالد ، عن عبيد الله - يعني ابن عمرو - عن عبد الكريم{[30247]} .
وكذا رواه الترمذي والنسائي في تفسيرهما من طريق عبد الرزاق ، به{[30248]} وهكذا رواه ابن جرير ، عن أبي كُرَيْب ، عن زكريا بن عَدِيّ ، عن عبيد الله بن عمرو ، به{[30249]} .
وروى أحمد ، والترمذي{[30250]} وابن جرير - وهذا لفظه - من طريق داود بن أبي هند ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عند المقام فمر به أبو جهل بن هشام فقال : يا محمد ، ألم أنهك عن هذا ؟ - وَتَوعَّده - فأغلظ له رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتهره ، فقال : يا محمد ، بأي شيء تهددني ؟ أما والله إني لأكثر هذا الوادي ناديًا ! فأنزل الله : { فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ } قال ابن عباس : لو دعا ناديه لأخذته ملائكة العذاب من ساعته{[30251]} وقال الترمذي : حسن صحيح .
وقال الإمام أحمد أيضًا : حدثنا إسماعيل بن زيد أبو يزيد ، حدثنا فُرَات ، عن عبد الكريم ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : قال أبو جهل : لئن رأيت رسول الله يصلي عند الكعبة لآتينه حتى أطأ على عنقه . قال : فقال : " لو فعل لأخذته الملائكة عيانًا ، ولو أن اليهود تَمَنَّوا الموت لماتوا ورأوا مقاعدهم من النار ، ولو خرج الذين يُبَاهلون رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجعوا لا يجدون مالا ولا أهلا " {[30252]} .
وقال ابن جرير أيضا : حدثنا ابن حميد ، حدثنا يحيى بن واضح ، أخبرنا يونس بن أبي إسحاق ، عن الوليد بن العيزار ، عن ابن عباس قال : قال أبو جهل : لئن عاد محمد يصلي عند المقام لأقتلنه . فأنزل الله ، عز وجل : { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ [ خَلَقَ الإنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ ] } {[30253]} حتى بلغ هذه الآية : { لَنَسْفَعَنْ بِالنَّاصِيَةِ نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ } فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فصلى{[30254]} فقيل : ما يمنعك ؟ قال : قد اسودّ ما بيني وبينه من الكتائب . قال ابن عباس : والله لو تحرك لأخذته الملائكة والناس ينظرون إليه{[30255]} .
وقال ابن جرير : حدثنا ابن عبد الأعلى ، حدثنا المعتمر ، عن أبيه ، حدثنا نعيم بن أبي هند ، عن أبي حازم ، عن أبي هُرَيرة قال : قال أبو جهل : هل يعفِّر محمد وجهه بين أظهركم ؟ قالوا : نعم . قال : فقال : واللات والعزى لئن رأيته يصلي كذلك لأطأن على رقبته{[30256]} ولأعفِّرن وجهه في التراب ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يُصَلي ليطأ على رقبته ، قال : فما فَجأهم منه إلا وهو ينكص على عقبيه ويتقي بيديه ، قال : فقيل له : ما لك ؟ فقال : إن بيني وبينه خَنْدقا من نار وهَولا وأجنحة . قال : فقال رسول الله : " لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضوًا عضوًا " . قال : وأنزل الله - لا أدري في حديث أبي هريرة أم لا - : { كَلا إِنَّ الإنْسَانَ لَيَطْغَى } إلى آخر السورة .
وقد رواه أحمد بن حنبل ، ومسلم ، والنسائي ، وابن أبي حاتم ، من حديث معتمر بن سليمان ، به{[30257]} .
و { الزبانية } ملائكة العذاب واحدهم " زبنية " ، وقال الكسائي : " زبني " ، وقال عيسى بن عمر الأخفش : " زابن " ، وهم الذين يدفعون الناس في النار ، والزبن : الدفع ، ومنه " حرب زبون " أي تدفع الناس في نفسها ، ومنه قول الشاعر :
ومستعجب مما يرى من أناتنا *** ولو زبنته الحرب لم يترمرم{[11913]}
ومنه قول عتبة بن أبي سفيان : " وقد زبنتنا الحرب وزبناها ، فنحن بنوها وهي أمنا " ، ومنه قول الشاعر :
عدتني عن زيارتك العوادي *** وحالت بيننا حرب زبون{[11914]}
وحذفت الواو من [ سندع ] في خط المصحف اختصارا وتخفيفا ، والمعنى : سندعو الزبانية لعذاب هذا الذي يدعو ناديه ، وقرأ ابن مسعود : ( فليدع إلى ناديه ) .
وقوله : { سندع الزبانية } جواب الأمر التعجيزي ، أي فإن دعا ناديَه دعوْنا لهم الزبانية ففعل { سندع } مجزوم في جواب الأمر ، ولذلك كتب في المصحف بدون واو وحرف الاستقبال لتأكيد الفعل .
والزبانية : بفتح الزاي وتخفيف التحتية جمع زباني بفتح الزاي وبتحتية مشددة ، أو جمع زِبْنيَة بكسر الزاي فموحدة ساكنة فنون مكسورة فتحتية مخففة ، أو جمع زِبْنِيّ بكسر فسكون فتحتية مشددة . وقيل : هو اسم جمع لا واحد له من لفظه مثل أبابيل وعَبَاديد . وهذا الاسم مشتق من الزبن وهو الدفع بشِدة يقال : ناقة زَبُون إذا كانت تركُل من يحلبُها ، وحرب زبون يدفع بعضها بعضاً بتكرر القتال .
فالزبانية الذين يزبنون الناس ، أي يدفعونهم بشدة . والمراد بهم ملائكة العذاب ويطلق الزبانية على أعوان الشُّرطة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.