فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{سَنَدۡعُ ٱلزَّبَانِيَةَ} (18)

{ سندع الزبانية } {[1727]} أي الملائكة الغلاظ الشداد ، وهم خزنة جهنم ، كذا قال الزجاج ، وقال الكسائي والأخفش وعيسى بن عمر : واحدهم زابن ، وقال أبو عبيدة : زبنية{[1728]} وقيل : زباني ، بتشديد الياء ، وقيل : هو اسم للجمع لا واحد له من لفظه كعباديد وأبابيل ، وقال قتادة : هم الشرط{[1729]} في كلام العرب ، وأصل الزبن الدفع ، والعرب تطلق هذا الاسم على من اشتد بطشه .

قرأ الجمهور : سندع بالنون ، ولم يرسم الواو كما في قوله { يوم يدع الداع } وقرئ سيدعى على البناء للمفعول ، ورفع الزبانية على النيابة ، والسين في { سندع } ليست للشك فإنه من الله واجب ؛ لأنه ينتقم لرسوله من عدوه .

وعن ابن عباس قال : " كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي ، فجاء أبو جهل فقال ألم أنهك عن هذا ، إنك لتعلم أن ما بها رجل أكثر ناديا مني ، فأنزل الله هذه الآية ، فجاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصلي ، فقيل : ما يمنعك ؟ فقال : قد اسود ما بيني وبينه ، قال ابن عباس : والله لو تحرك لأخذته الملائكة والناس ينظرون إليه " أخرجه أحمد والترمذي وصححه وابن جرير وابن المنذر والطبراني وغيرهم{[1730]} .

وأخرج أحمد ومسلم والنسائي والبيهقي وغيرهم عن أبي هريرة قال : قال أبو جهل : هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم ؟ قالوا : نعم . قال : واللات والعزى لئن رأيته يصلي كذلك لأطأن على رقبته ، ولأعفرن وجهه في التراب ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ليطأن على رقبته ، قال : فما فجئهم منه إلا وهو ينكص على عقبيه ويتقي بيده ، فقيل له : مالك ؟ فقال : إن بيني وبينه خندقا من نار وهولا وأجنحة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضوا عضوا . قال : وأنزل الله { كلا إن الإنسان ليطغى } إلى آخر السورة يعني أبا جهل { فليدع ناديه } يعني قومه { سندع الزبانية } يعني الملائكة{[1731]} .


[1727]:راجع تعليق هام على هذه الآية في آخر سورة المدثر.
[1728]:بكسر أوله وسكون ثانيه وكسر ثالثه وتخفيف الياء من الزبن وهو الدفع أو واحدها زبني على النسب وأصلع زباني بتشديد الياء فالتاء عوض عن الياء قاله البيضاوي وفي المختار واحد الزبانية زبان أو زابان أ هـ.
[1729]:وهم الشرطة (البوليس) في لغة العصر.
[1730]:مسلم / 2154.
[1731]:البخاري 8/ 557.