ولهذا أخبر عيسى أنه عبد مربوب كغيره ، فقال : { وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ ْ } الذي خلقنا ، وصورنا ، ونفذ فينا تدبيره ، وصرفنا تقديره .
{ فَاعْبُدُوهُ ْ } أي : أخلصوا له العبادة ، واجتهدوا في الإنابة ، وفي هذا الإقرار بتوحيد الربوبية ، وتوحيد الإلهية ، والاستدلال بالأول على الثاني ، ولهذا قال : { هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ْ } أي : طريق معتدل ، موصل إلى الله ، لكونه طريق الرسل وأتباعهم ، وما عدا هذا ، فإنه من طرق الغي والضلال .
وقوله : { وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ } أي : ومما{[18818]} أمر عيسى به{[18819]} قومه وهو في مهده ، أن أخبرهم إذ ذاك أن الله ربهم وربه{[18820]} ، وأمرهم بعبادته ، فقال : { فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ } أي : هذا الذي جئتكم به عن الله صراط مستقيم ، أي : قويم ، من اتبعه رشد وهدي ، ومن خالفه ضل وغوى .
«وإن الله ربي » ، كذلك وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي «وإن » بكسر الألف وذلك بين على الاستئناف وقرأ أبي بن كعب «إن الله » بكسر الألف دون واو . وقوله { فاعبدوه } وقف ثم ابتداء { هذا صراط } أي ما أعلمتكم به عن الله تعالى من وحدانيته ونفي الولد عنه وغير ذلك مما يتنزه عنه طريق واضح مفض إلى النجاة ورحمته .
يجوز أن يكون هذا بقيةً لكلام جرى على لسان عيسى تأييداً لبراءة أمّه وما بينهما اعتراض كما تقدم آنفاً .
والمعنى : تعميم ربوبية الله تعالى لكل الخلق .
وقرأ نافع ، وابن كثير ، وأبو عمرو ، وأبو جعفر ، ورويس عن يعقوب همزة { وأَنَّ } مفتوحة فخرجه الزمخشري أنه على تقدير لام التعليل ، فإن كان من كلام عيسى فهو تعليل لقوله { فاعبدوهُ } على أنه مقدّم من تأخير للاهتمام بالعِلّة لكونها مقررة للمعلول ومثبته له على أسلوب قوله تعالى : { وأنّ المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً } [ الجنّ : 18 ] ويكون قوله { فَاعبُدُوهُ } متفرعاً على قوله { إني عَبْدُ الله } [ مريم : 30 ] بعد أن أُردف بما تعلّق به من أحوال نفسه .
ولما اشتمل مدخول لام التعليل على اسم الجلالة أضمر له فيما بعد . وتقدير النظم هكذا : فاعبدوا الله لأنه ربّي وربكم .
ويجوز أن يكون عطفاً على قوله { بالصلاة والزكواة } [ مريم : 31 ] ، أي وأوصاني بأنّ الله ربّي وربكم ، فيكون بحذف حرف الجر وهو مطرد مع ( أنّ ) .
ويجوز أن يكون معطوفاً على { الحَقّ } من قوله { قَولَ الحَقّ } [ مريم : 34 ] على وجه جعل { قَولَ } بمعنى قائل ، أي قائل الحق وقائلُ إن الله ربّي وربّكم ، فإن همزة { أنَّ } يجوز فتحها وكسرها بعد مادة القول .
وإن كان ممّا خوطب النبي صلى الله عليه وسلم بأنْ يقوله كان بتقدير قول محذوف ، أو عطفاً على { مَرْيَمَ } من قوله تعالى : { واذْكُر فِي الكتاب مَرْيَمَ } [ مريم : 16 ] ، أي اذْكر يا محمد أن الله ربّي فكذلك ، ويكون تفريع { فاعبدوه } على قوله : { مَا كانَ لله أن يتَّخِذَ من وَلدٍ سبحانه } [ مريم : 35 ] إلى آخره . . .
وقرأه ابن عامر ، وحمزة ، والكسائي ، وخَلف ، ورَوْح عن يعقوب بكسر همزة { إنَّ } . ووجهها ظاهر على كلا الاحتمالين .
وجملة { هَذا صِراطٌ مسْتَقِيم } تذييل وفذلكة لما سبقه على اختلاف الوجوه . والإشارة إلى مضمون ما تقدّم على اختلاف الوجوه .
والمراد بالصراط المستقيم اعتقاد الحق ، شُبه بالصراط المستقيم على التشبيه البليغ ، شُبه الاعتقاد الحق في كونه موصولاً إلى الهدى بالصراط المستقيم في إيصاله إلى المكان المقصود باطمئنان بال ، وعُلم أن غير هذا كبنَيّات الطريق مَن سلكها ألقت به في المخاوف والمتالف كقوله { وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله } [ الأنعام : 153 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.