الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{وَإِنَّ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمۡ فَٱعۡبُدُوهُۚ هَٰذَا صِرَٰطٞ مُّسۡتَقِيمٞ} (36)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

ثم قال عيسى صلى الله عليه وسلم لبني إسرائيل: {وإن الله ربي وربكم فاعبدوه}، يعني: فوحدوه، {هذا} التوحيد {صراط مستقيم}، يعني: دين الإسلام مستقيم، وغير دين الإسلام أعوج ليس بمستقيم.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

قوله:"وَإنّ اللّهَ رَبّي وَرَبّكُمْ فاعْبُدُوهُ" اختلف القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامّة قرّاء أهل المدينة والبصرة: «وأنّ اللّهَ رَبّي وَرَبكُمْ» واختلف أهل العربية في وجه فتح «أن» إذا فتحت، فقال بعض نحوّيي الكوفة: فُتحت ردّا على عيسى وعطفا عليه، بمعنى: ذلك عيسى ابن مريم، وذلك أن الله ربي وربكم... وكان بعض البصريين يقول: وذُكر ذلك أيضا عن أبي عمرو بن العلاء، وكان ممن يقرأه بالفتح إنما فتحت أن بتأويل وَقَضَى أن الله ربي وربّكم. وكانت عامة قرّاء الكوفيين يقرؤونه: "وَإنّ اللّهَ "بكسر إن بمعنى النسق على قوله: "فإنّما يَقُولُ لَهُ". وذُكر عن أبيّ بن كعب أنه كان يقرأه: «فإنّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ إنّ اللّهَ رَبّي وَرَبّكُمْ» بغير واو.

والقراءة التي نختار في ذلك: الكسر على الابتداء... عن وهب بن منبه، قال: عهد إليهم حين أخبرهم عن نفسه ومولده وموته وبعثه "إنّ اللّهَ رَبّي وَرَبّكُمْ فاعْبُدُوهُ هذَا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ" أي إني وإياكم عبيد الله، فاعبدوه ولا تعبدوا غيره.

وقوله: "هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ" يقول: هذا الذي أوصيتكم به، وأخبرتكم أن الله أمرني به هو الطريق المستقيم، الذي من سلكه نجا، ومن ركبه اهتدى، لأنه دين الله الذي أمر به أنبياءه.

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

{وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّى وَرَبُّكُمْ} أي أمرني بأن تعلموا ذلك؛ وأمرني بتبليغ رسالتي، واتباع ما شَرَعَ اللَّهُ من العبادات...

الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي 468 هـ :

{وإن الله ربي وربكم} هذا راجع إلى قوله تعالى {وأوصاني بالصلاة} وأوصاني بأن الله ربي وربكم {فاعبدوه}، {هذا} الذي ذكرت {صراط مستقيم}

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

{هذا صراط} أي ما أعلمتكم به عن الله تعالى من وحدانيته ونفي الولد عنه وغير ذلك مما يتنزه عنه طريق واضح مفض إلى النجاة ورحمته.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

... لا يصح أن يقول الله: {وإن الله ربي وربكم فاعبدوه} فلا بد وأن يكون قائل هذا غير الله تعالى، وفيه قولان:

الأول: التقدير فقل يا محمد إن الله ربي وربكم بعد إظهار البراهين الباهرة في أن عيسى هو عبد الله.

الثاني: قال أبو مسلم الأصفهاني: الواو في وإن الله عطف على قول عيسى عليه السلام: {إني عبد الله آتاني الكتاب} كأنه قال: إني عبد الله وإنه ربي وربكم فاعبدوه.

قوله: {وإن الله ربي وربكم} يدل على أن مدبر الناس ومصلح أمورهم هو الله تعالى على خلاف قول المنجمين إن مدبر الناس ومصلح أمورهم في السعادة والشقاوة هي الكواكب، ويدل أيضا على أن الإله واحد لأن لفظ الله اسم علم له سبحانه فلما قال: {إن الله ربي وربكم} أي لا رب للمخلوقات سوى الله تعالى وذلك يدل على التوحيد، أما قوله: {فاعبدوه} فقد ثبت في أصول الفقه أن ترتيب الحكم على الوصف المناسب مشعر بالعلية، فههنا الأمر بالعبادة وقع مرتبا على ذكر وصف الربوبية فدل على أنه إنما تلزمنا عبادته سبحانه لكونه ربا لنا، وذلك يدل على أنه تعالى إنما تجب عبادته لكونه منعما على الخلائق بأصول النعم وفروعها، ولذلك فإن إبراهيم عليه السلام لما منع أباه من عبادة الأوثان قال: {لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا} يعني أنها لما لم تكن منعمة على العباد لم تجز عبادتها، وبهذه الآية ثبت أن الله تعالى لما كان ربا ومربيا لعباده وجب عبادته، فقد ثبت طردا وعكسا تعلق العبادة بكون المعبود منعما.

أما قوله: {هذا صراط مستقيم} يعني القول بالتوحيد ونفي الولد والصاحبة صراط مستقيم وأنه سمي هذا القول بالصراط المستقيم تشبيها بالطريق لأنه المؤدي إلى الجنة.

تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :

أي: ومما أمر عيسى به قومه وهو في مهده، أن أخبرهم إذ ذاك أن الله ربهم وربه، وأمرهم بعبادته، فقال: {فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} أي: هذا الذي جئتكم به عن الله صراط مستقيم، أي: قويم، من اتبعه رشد وهدي، ومن خالفه ضل وغوى...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما كان لسان الحال ناطقاً عن عيسى عليه الصلاة والسلام بأن يقول: وقد قضاني الله فكنت كما أراد، فأنا عبد الله ورسوله فاعتقدوا ذلك ولا تعتقدوا سواه من الأباطيل، عطف عليه في قراءة الحرميين وأبي عمرو قوله: {وإن الله} أي الذي له الأمر كله {ربي وربكم} أي أحسن إلى كل منا بالخلق والرزق، لا فرق بيننا في أصل ذلك {فاعبدوه} وحده لتفرده بالإحسان كما أعبده، وقراءة الباقين بالكسر على أنه مقول عيسى عليه السلام الماضي، ويكون اعتراض ما تقدم من كلام الله بينهما للتأكيد والاهتمام. ولما كان اشتراك الخلائق في عبادة الخالق بعمل القلب والجوارح علماً وعملاً أعدل الأشياء، أشار إلى ذلك بقوله: {هذا} أي الذي أمرتكم به {صراط مستقيم} لأنا بذلنا الحق لأهله بالاعتقاد الحق والعمل الصالح، ولم يتفضل أحد منا فيه على صاحبه.

تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :

ولهذا أخبر عيسى أنه عبد مربوب كغيره، فقال: {وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ ْ} الذي خلقنا، وصورنا، ونفذ فينا تدبيره، وصرفنا تقديره. {فَاعْبُدُوهُ ْ} أي: أخلصوا له العبادة، واجتهدوا في الإنابة، وفي هذا الإقرار بتوحيد الربوبية، وتوحيد الإلهية، والاستدلال بالأول على الثاني، ولهذا قال: {هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ْ} أي: طريق معتدل، موصل إلى الله، لكونه طريق الرسل وأتباعهم، وما عدا هذا، فإنه من طرق الغي والضلال...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

وينتهي ما يقوله عيسى -عليه السلام- ويقوله حاله بإعلان ربوبية الله له وللناس، ودعوته إلى عبادة الله الواحد بلا شريك: (وإن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم).. فلا يبقى بعد شهادة عيسى وشهادة قصته مجال للأوهام والأساطير.. وهذا هو المقصود بذلك التعقيب في لغة التقرير وإيقاع التقرير...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

ولما اشتمل مدخول لام التعليل على اسم الجلالة أضمر له فيما بعد. وتقدير النظم هكذا: فاعبدوا الله لأنه ربّي وربكم. ويجوز أن يكون عطفاً على قوله {بالصلاة والزكواة} [مريم: 31]، أي وأوصاني بأنّ الله ربّي وربكم، فيكون بحذف حرف الجر وهو مطرد مع (أنّ). ويجوز أن يكون معطوفاً على {الحَقّ} من قوله {قَولَ الحَقّ} [مريم: 34] على وجه جعل {قَولَ} بمعنى قائل، أي قائل الحق وقائلُ إن الله ربّي وربّكم، فإن همزة {أنَّ} يجوز فتحها وكسرها بعد مادة القول. وجملة {هَذا صِراطٌ مسْتَقِيم} تذييل وفذلكة لما سبقه على اختلاف الوجوه. والإشارة إلى مضمون ما تقدّم على اختلاف الوجوه. والمراد بالصراط المستقيم اعتقاد الحق، شُبه بالصراط المستقيم على التشبيه البليغ، شُبه الاعتقاد الحق في كونه موصولاً إلى الهدى بالصراط المستقيم في إيصاله إلى المكان المقصود باطمئنان بال، وعُلم أن غير هذا كبنَيّات الطريق مَن سلكها ألقت به في المخاوف والمتالف كقوله {وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله} [الأنعام: 153]...

زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :

هذا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم أمره الله تعالى بأن يقوله بعد أن قص ولادة عيسى عليه السلام وامتراء الناس في أمره، وقد ادّعوا بنوته وألوهيته، فأمر نبيه أن يقرر الحق في العبادة فقال، {وإن الله ربي وربكم}، أي إن الله تعالى خالقي وخالقكم، والقائم على شؤوني وشؤونكم، وإن ذلك يقتضي أن نعبده، ولذا بعد أن قرر الربوبية أمر بالعبودية له سبحانه وتعالى وحده، لأن الألوهية تلازم الربوبية، وفي ذلك إبطال لأوهام المشركين الذين يقرون لله تعالى بالخلق والربوبية، وأنه رب السماوات والأرض وما بينهما، ومن فيهما، وما فيهما من خلقه، ومع ذلك في العبادة يشركون به الأوثان ويتخذونها أندادا له سبحانه وتعالى عما يشركون، وهو الواحد الأحد الفرد الصمد...

و (الفاء) في قوله تعالى: {فاعبدوه} لترتيب ما بعدها على ما قبلها، فالعبادة مترتبة على الإقرار بالربوبية، لأنه الحق، وإن ذلك هو الصراط المستقيم،...

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

الرب: هو المتولي للتربية والرعاية. والتربية تعني أن يأخذ المربي المربى بالرياضة إلى ما يصلحه لأداء مهمته والقيام بها، كما لو أردت مهندساً تربيه تربية مهندس، وإن أردت طبيباً تربيه تربية طبيب. ونحن هنا أمام قوم أشركوا بالله، ونحتاج لداعية يخرجهم من الشرك إلى الإيمان، ومن المعصية إلى الطاعة. فالمعنى: مادام أن الله تعالى ربي وربكم، والمتولي لتربيتنا جميعاً، فلابد أن يربي لكم من يصلحكم؛ لأنه تعالى لا يخاطبكم مباشرة، بل سيبعثني إليكم أبلغكم رسالته، وأدعوكم إلى عبادته وحده لا شريك له، ومادام الله ربي وربكم فمن الواجب أن تطيعوه {فاعبدوه} والعبادة أن يطيع العابد معبوده في أوامره وفي نواهيه. كما قال تعالى: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله.. "5 "} (سورة البينة)...

{هذا صراط مستقيم} أي: الذي لا التواء فيه ولا اعوجاج، وهو الطريق الذي يوصلك لمقصودك من أقرب طريق، وبأقل مجهود، ومعلوم أن الخط المستقيم هو أقرب طريق بين نقطتين...

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

{وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ} واخضعوا له، ونفذوا أوامره، وابتعدوا عن نواهيه، في كل جوانب الحياة، من أجل الحق والعدل والسلام؛ {هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ} لأنه يصل النهاية بالبداية في خط مستقيم، في ما يوحد العلاقة بإله واحد، ويحدد للإنسان الحرية أمام الكون كله، وأمام الناس كلهم، ويشرع له ما يصلح أمره، ويبعده عما يفسد حياته، ويدفعه إلى التوازن في كل الأمور، فلا التواء ولا انحراف في أيّ تصورٍ أو سلوكٍ، أو علاقةٍ، أو منهجٍ للحركة وللحياة.. ولا تحتاج المسألة في ذلك كله إلا إلى الوعي العميق لسر الألوهية المتصلة بالوحدانية. وإلى دراسة الإنسان في عناصر ضعفه، وعناصر قوته، لما يكفل عدم إخراج أي إنسان عن حدود الإنسانية المحتاجة في كل شيء إلى مصدر القوة والحياة، هذه القوة التي تمثل الغنى المطلق مقابل فقر الإنسان المطلق في ما تعنيه علاقة المخلوق بخالقه. ولهذا فإن من الضروري أن تكون الدراسة للوجود، في القوى الإنسانية والكونية، خاضعة للموازين الدقيقة التي ترى القوة الإنسانية في حجمها الطبيعي، فلا تغلفها الأسرار الغامضة التي يفرضها التصور المنحرف، ويوحي بها الخيال الواسع. فإن كثيراً من حالات الغلوّ في نظر الناس إلى الشخص العظيم، تتأتى عن الأوهام الذاتية، والتصورات الخيالية التي يضيفها الناس إلى الشخص، فينفخون شخصيته دون الاستناد إلى حقيقته في الواقع.