القول في تأويل قوله تعالى : { فَضَرَبْنَا عَلَىَ آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً * ثُمّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيّ الحِزْبَيْنِ أَحْصَىَ لِمَا لَبِثُواْ أَمَداً } .
يعني جلّ ثناؤه بقوله : فَضَرَبْنا على آذَانِهِمْ فِي الكَهْفِ : فضربنا على آذانهم بالنوم في الكهف : أي ألقينا عليهم النوم ، كما يقول القائل لاَخر : ضربك الله بالفالِج ، بمعنى ابتلاه الله به ، وأرسله عليه . وقوله : سِنِينَ عَدَدا يعني سنين معدودة ، ونصب العدد بقوله فَضَرَبْنا .
وقوله { فضربنا على آذانهم } الآية عبارة عن إلقاء الله تعالى النوم عليهم ، ويعبر عن هذا ونحوه ب «الضرب » لتبين قوة المباشرة وشدة اللصوق في الأمر المتكلم فيه والإلزام ، ومنه ضرب الذلة والمسكنة ، ومنه ضرب الجزية ، ومنه ضرب البعث .
ضربت عليك العنكبوت بنسجها . . . وقضى عليك به الكتاب المنزل{[3]}
فهذا يستعمل في اللزوم البليغ ، وأما تخصيص «الآذان » بالذكر فلأنها الجارحة التي منها عظم فساد النوم ، وقلَّما ينقطع نوم نائم إلا من جهة أذنه ، ولا يستحكم نوم إلا مع تعطل السمع ، ومن ذكر الأذن في النوم قوله صلى الله عليه وسلم «ذلك رجل بال الشيطان في أذنه »{[4]} أشار عليه السلام إلى رجل طويل النوم لا يقوم بالليل ، وقوله «عدداً » نعت للسنين ، والقصد به العبارة عن التكثير ، أي تحتاج إلى عدد وهي ذات عدد ، قال الزجاج : ويجوز أن يكون نصب { عدداً } على المصدر .
تفريع هذه الجملة بالفاء إما على جملة دعائهم ، فيؤذن بأن مضمونها استجابة دعوتهم ، فجعل الله إنامتهم كرامة لهم . بأن سلمهم من التعذيب بأيدي أعدائهم ، وأيد بذلك أنهم على الحق ، وأرى الناس ذلك بعد زمن طويل .
وإما على جملة { إذ أوى الفتية } [ الكهف : 10 ] الخ فيؤذن بأن الله عجَل لهم حصول ما قصدوه مما لم يكن في حسبانهم .
والضرب : هنا بمعنى الوضع ، كما يقال : ضرب عليه حجاباً ، ومنه قوله تعالى : { ضربت عليهم الذلة } [ البقرة : 61 ] ، وقد تقدم تفصيله عند قوله تعالى : { إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلاً ما } [ البقرة : 26 ] .
وحذف مفعول ضربنا } لظهوره ، أي ضربنا على آذانهم غشاوة أو حائلاً عن السمع ، كما يقال : بنَى على امرأته ، تقديره : بنى بيتاً . والضرب على الآذان كناية عن الإنامة لأن النوم الثقيل يستلزم عدم السمع ، لأن السمع السليم لا يحجبه إلا النوم ، بخلاف البصر الصحيح فقد يحجب بتغميض الأجفان .
وهذه الكناية من خصائص القرآن لم تكن معروفة قبل هذه الآية وهي من الإعجاز .
و { عدداً } نعتُ { سنين } . والعدد : مستعمل في الكثرة ، أي سنين ذات عدد كثير . ونظيره ما في حديث بدء الوحي من قول عائشة : فكان يخرج إلى غار حراء فيتحنّث فيه الليالي ذوات العدد » تريد الكثيرة . وقد أجمل العدد هنا تبعاً لإجمال القصة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.