البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{فَضَرَبۡنَا عَلَىٰٓ ءَاذَانِهِمۡ فِي ٱلۡكَهۡفِ سِنِينَ عَدَدٗا} (11)

{ فضربنا على آذانهم } استعارة بديعة للإنامة المستثقلة التي لا يكاد يسمع معها ، وعبر بالضرب ليدل على قوة المباشرة واللصوق واللزوم ومنه { ضربت عليهم الذلة } وضرب الجزية وضرب البعث .

وقال الفرزدق :

ضربت عليك العنكبوت بنسجها*** وقضى عليك به الكتاب المنزل

وقال الأسود بن يعفر :

ومن الحوادث لا أبا لك أنني*** ضربت على الأرض بالأشداد

وقال آخر :

إن المروءة والسماحة والندى*** في قبة ضربت على ابن الحشرج

استعير للزوم هذه الأوصاف لهذا الممدوح ، وذكر الجارحة التي هي الآذان إذ هي يكون منها السمع لأنه لا يستحكم نوم إلاّ مع تعطل السمع .

وفي الحديث : « ذلك رجل بال الشيطان في أذنه » أي استثقل نومه جداً حتى لا يقوم بالليل .

ومفعول ضربنا محذوف أي حجاباً من أن يسمع كما يقال بني على امرأته يريدون بني عليها القبة .

وانتصب { سنين } على الظرف والعامل فيه { فضربنا } ، و { عدداً } مصدر وصف به أو منتصب بفعل مضمر أي بعد { عدداً } وبمعنى اسم المفعول كالقبض والنفض ، ووصف به { سنين } أي { سنين } معدودة .

والظاهر في قوله { عدداً } الدلالة على الكثرة لأنه لا يحتاج أن يعد إلاّ ما كثر لا ما قل .

وقال الزمخشري : ويحتمل أن يريد القلة لأن الكثير قليل عنده كقوله { لم يلبثوا إلاّ ساعة من نهار } انتهى وهذا تحريف في التشبيه لأن لفظ الآية كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلاّ ساعة من نهار ، فهذا تشبيه لسرعة انقضاء ما عاشوا في الدنيا إذا رأوا العذاب كما قال الشاعر :

كأن الفتى لم يعر يوماً إذا اكتسي*** ولم يك صعلوكاً إذا ما تمولا