قوله تعالى : { أفأمنتم } بعد ذلك { أن يخسف بكم } يغور بكم { جانب البر } ناحية البر وهي الأرض ، { أو يرسل عليكم حاصباً } أي : يمطر عليكم حجارةً من السماء كما أمطر على قوم لوط . قال أبو عبيدة و القتيبي : الحاصب الريح التي ترمي بالحصباء ، وهي الحصا الصغار ، { ثم لا تجدوا لكم وكيلاً } ، قال قتادة : مانعاً .
ولهذا ذكرهم الله بقوله : { أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا } أي : فهو على كل شيء قدير إن شاء أنزل عليكم عذابا من أسفل منكم بالخسف أو من فوقكم بالحاصب وهو العذاب الذي يحصبهم فيصبحوا هالكين ، فلا تظنوا أن الهلاك لا يكون إلا في البحر .
وإن ظننتم ذلك فأنتم آمنون{[476]} من { أَنْ يُعِيدَكُمْ } في البحر { تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ } أي : ريحا شديدة جدا تقصف ما أتت عليه .
وهنا يستجيش السياق وجدان المخاطبين بتصوير الخطر الذي تركوه في البحر وهو يلاحقهم في البر أو وهم يعودون إليه في البحر ، ليشعروا أن الأمن والقرار لا يكونان إلا في جوار الله وحماه ، لا في البحر ولا في البر ؛ لا في الموجة الرخية والريح المواتية ولا في الملجأ الحصين والمنزل المريح :
( أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البر أو يرسل عليكم حاصبا ، ثم لا تجدوا لكم وكيلا ? أم أمنتم أن يعيدكم فيه تارة أخرى ، فيرسل عليكم قاصفا من الريح فيغرقكم بما كفرتم ، ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعا ? ) .
إن البشر في قبضة الله في كل لحظة وفي كل بقعة . إنهم في قبضته في البر كما هم في قبضته في البحر . فكيف يأمنون ? كيف يأمنون أن يخسف بهم جانب البر بزلزال أو بركان ، أو بغيرهما من الأسباب المسخرة لقدرة الله ? أو يرسل عليهم عاصفة بركانية تقذفهم بالحمم والماء والطين والأحجار ، فتهلكهم دون أن يجدوا لهم من دون الله وكيلا يحميهم ويدفع عنهم ?
يقول تعالى : أفحسبتم أن نخرجكم{[17665]} إلى البر أمنتم من انتقامه وعذابه !
{ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا } ، وهو : المطر الذي فيه حجارة . قاله مجاهد ، وغير واحد ، كما قال تعالى : { إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ{[17666]} حَاصِبًا إِلا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ } [ القمر : 34 ] وقد قال في الآية الأخرى : { وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ }{[17667]} [ هود : 82 ] وقال : { أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ * أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ } [ الملك : 16 ، 17 ] .
وقوله : { ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلا } أي : ناصرًا يرد ذلك عنكم ، وينقذكم منه [ والله سبحانه وتعالى أعلم ]{[17668]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.