فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{أَفَأَمِنتُمۡ أَن يَخۡسِفَ بِكُمۡ جَانِبَ ٱلۡبَرِّ أَوۡ يُرۡسِلَ عَلَيۡكُمۡ حَاصِبٗا ثُمَّ لَا تَجِدُواْ لَكُمۡ وَكِيلًا} (68)

{ أَفَأَمِنتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ وَكِيلاً ( 68 ) }

ثم أنكر عليهم سبحانه سوء معاملتهم قائلا { أَفَأَمِنتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ } الهمزة للإنكار والتوبيخ والتقريع والفاء عاطفة على مقدر والتقدير أنجوتم من الغرق فأمنتم فحملكم ذلك على الإعراض فبين لهم أنه قادر على إهلاكهم في البر وإن سلموا من البحر لأن الجهات كلها له وفي قدرته برا كان أو بحرا يعني إن كان الغرق في البحر ففي جانب البر ما هو مثله وهو الخسف لأنه يغيب تحت الثرى كما أن الغرق يغيب تحت الماء .

وأصل الخسف أن تنهار الأرض بالشيء يقال : بئر خسيف إذا انهدم أصلها وعين خاسفة ، أي غائرة حدقتها في الرأس وخسفت عين الماء إذا غار ماؤها وخسفت الشمس إذا غابت عن الأرض وجانب البر ناحية الأرض وسماه جانبا لأنه يصير بعد الخسف جانبا وأيضا فإن البحر جانب من الأرض والبر جانب .

وقيل إنهم كانوا على ساحل البحر وساحله جانب البر فكانوا فيه آمنين من مخاوف البحر فحذرهم ما أمنوه من البر كما حذرهم ما خافوه من البحر وقال السمين : المعنى جانب البر الذي أنتم فيه فيلزم من خسفه هلاككم ولولا هذا التقدير لم يكن في التوعد به فائدة انتهى وجملة هذه الأفعال خمسة وكلها تقرأ بالياء ولا التفات حينئذ وبالنون التفاتا عن الغيبة إلى التكلم والقراءتان سبعيتان .

{ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا } قال أبو عبيدة والقتيبي الحصب الرمل أي ريحا شديدة حاصبة وهي التي ترمي بالحصباء الصغار ؛ وقال الزجاج الحاصب التراب الذي فيه حصباء ، فالحاصب هو ذو الحصباء كاللابن والتامر ، وقيل الحاصب حجارة من السماء ، قاله قتادة تحصبهم كما فعل بقوم لوط ، ويقال للسحابة التي ترمي بالبرد حاصب .

{ ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ وَكِيلاً } أي حافظا ونصيرا يمنعكم من بأس الله