البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{أَفَأَمِنتُمۡ أَن يَخۡسِفَ بِكُمۡ جَانِبَ ٱلۡبَرِّ أَوۡ يُرۡسِلَ عَلَيۡكُمۡ حَاصِبٗا ثُمَّ لَا تَجِدُواْ لَكُمۡ وَكِيلًا} (68)

الحاصب الريح ترمي بالحصباء قاله الفراء ، والحصب الرمي بالحصباء وهي الحجارة الصغار .

وقال الفرزذق :

مستقبلين شمال الشام نضربهم ***بحاصب كنديف القطن منثور

والحاصب العارض الرامي بالبرد والحجارة .

قال الزمخشري : والفاء للعطف على محذوف تقديره أنجوتم فأمنتم انتهى .

وتقدم لنا الكلام معه في دعواه أن الفاء والواو في مثل هذا التركيب للعطف على محذوف بين الهمزة وحرف العطف ، وأن مذهب الجماعة أن لا محذوف هناك ، وأن الفاء والواو للعطف على ما قبلها وأنه اعتنى بهمزة الاستفهام لكونها لها صدر الكلام فقدمت والنية التأخير ، وأن التقدير فأمنتم .

وقد رجع الزمخشري إلى مذهب الجماعة والخطاب للسابق ذكرهم أي { أفأمنتم } أيها الناجون المعرضون عن صنع الله الذي نجاكم ، وانتصب { جانب } على المفعول به بنخسف كقوله { فخسفنا به وبداره الأرض } والمعنى أن نغيره بكم فتهلكون بذلك .

وقال الزمخشري : أن نقلبه وأنتم عليه .

وقال الحوفي : { جانب البر } منصوب على الظرف ، ولما كان الخسف تغييباً في التراب قال : { جانب البر } و { بكم } حال أي نخسف { جانب البر } مصحوباً بكم .

وقيل : الباء للسبب أي بسببكم ، ويكون المعنى { جانب البر } الذي أنتم فيه ، فيحصل بخسفه إهلاكهم وإلاّ فلا يلزم من خسف { جانب البر } بسببهم إهلاكهم .

قال قتادة : الحاصب الحجارة .

وقال السدّي : رام يرميكم بحجارة من سجيل ، والمعنى أن قدرته تعالى بالغة فإن كان نجاكم من الغرق وكفرتم نعمته فلا تأمنوا إهلاكه إياكم وأنتم في البر ، إما بأمر يكون من تحتكم وهو تغوير الأرض بكم ، أو من فوقكم بإرسال حاصب عليكم ، وهذه الغاية في تمكن القدرة ثم { لا تجدوا } عند حلول أحد هذين بكم من تكلون أموركم إليه فيتوكل في صرف ذلك عنكم .