معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{قَدۡ سَأَلَهَا قَوۡمٞ مِّن قَبۡلِكُمۡ ثُمَّ أَصۡبَحُواْ بِهَا كَٰفِرِينَ} (102)

قوله تعالى : { عفا الله عنها والله غفور رحيم قد سألها قوم من قبلكم } ، كما سألت ثمود صالحاً الناقة ، وسأل قوم عيسى المائدة .

قوله تعالى : { ثم أصبحوا بها كافرين } ، فأهلكوا ، قال أبو ثعلبة الخشني : ( إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها ، ونهى عن أشياء فلا تنتهكوها ، وحد حدوداً فلا تعتدوها ، وعفا عن أشياء من غير نسيان فلا تبحثوا عنها ) .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قَدۡ سَأَلَهَا قَوۡمٞ مِّن قَبۡلِكُمۡ ثُمَّ أَصۡبَحُواْ بِهَا كَٰفِرِينَ} (102)

وهذه المسائل التي نهيتم عنها { قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ } أي : جنسها وشبهها ، سؤال تعنت لا استرشاد . فلما بينت لهم وجاءتهم { أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ } كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : " ما نهيتكم عنه فاجتنبوه ، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم ، فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة مسائلهم ، واختلافهم على أنبيائهم " .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قَدۡ سَأَلَهَا قَوۡمٞ مِّن قَبۡلِكُمۡ ثُمَّ أَصۡبَحُواْ بِهَا كَٰفِرِينَ} (102)

فأما الاستفتاء عن مسائل لم تقع ، فهو استفتاء عن فرض غير محدد . وما دام غير واقع فإن تحديده غير مستطاع . والفتوى عليه حينئذ لا تطابقه لأنه فرض غيرمحدد . والسؤال والجواب عندئذ يحملان معنى الاستهتار بجدية الشريعة ؛ كما يحملان مخالفة للمنهج الإسلامي القويم .

ومثله الاستفتاء عن أحكام شريعة الله في أرض لا تقام فيها شريعة الله ، والفتوى على هذا الأساس ! . . إن شريعة الله لا تستفتى إلا ليطبق حكمها وينفذ . . فإذا كان المستفتي والمفتي كلاهما يعلمان أنهما في أرض لا تقيم شريعة الله ؛ ولا تعترف بسلطان الله في الأرض وفي نظام المجتمع وفي حياة الناس . . أي لا تعترف بألوهية الله في هذه الأرض ولا تخضع لحكمه ولا تدين لسلطانه . . فما استفتاء المستفتي ؟ وما فتوى المفتي ؟ إنهما - كليهما - يرخصان شريعة الله ، ويستهتران بها شاعرين أو غير شاعرين سواء !

ومثله تلك الدراسات النظرية المجردة لفقه الفروع وأحكامه في الجوانب غير المطبقة . . إنها دراسة للتلهية ! لمجرد الإيهام بأن لهذا الفقه مكانا في هذه الأرض التي تدرسه في معاهدها ولا تطبقه في محاكمها ! وهو إيهام يبوء بالإثم من يشارك فيه ، ليخدر مشاعر الناس بهذا الإيهام !

إن هذا الدين جد . وقد جاء ليحكم الحياة . جاء ليعبد الناس لله وحده ، وينتزع من المغتصبين لسلطان الله هذا السلطان ، فيرد الأمر كله إلى شريعة الله ، لا إلى شرع أحد سواه . . وجاءت هذه الشريعة لتحكم الحياة كلها ؛ ولتواجه بأحكام الله حاجات الحياة الواقعية وقضاياها ، ولتدلي بحكم الله في الواقعة حين تقع بقدر حجمها وشكلها وملابساتها .

ولم يجيء هذا الدين ليكون مجرد شارة أو شعار . ولا لتكون شريعته موضوع دراسة نظرية لا علاقة لها بواقع الحياة . ولا لتعيش مع الفروض التي لم تقع ، وتضع لهذه الفروض الطائرة أحكاما فقهية في الهواء !

هذا هو جد الإسلام . وهذا هو منهج الإسلام . فمن شاء من " علماء " هذا الدين أن يتبع منهجه بهذا الجد فليطلب تحكيم شريعة الله في واقع الحياة . أو على الأقل فليسكت عن الفتوى والقذف بالأحكام في الهواء !

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قَدۡ سَأَلَهَا قَوۡمٞ مِّن قَبۡلِكُمۡ ثُمَّ أَصۡبَحُواْ بِهَا كَٰفِرِينَ} (102)

القول في تأويل قوله تعالى : { قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مّن قَبْلِكُمْ ثُمّ أَصْبَحُواْ بِهَا كَافِرِينَ } . .

يقول تعالى ذكره : قد سأل الايات قوم من قبلكم : فلما آتاهموها الله ، أصبحوا بها جاحدين منكرين أن تكون دلالة على حقيقة ما احتجّ بها عليهم ، وبرهانا على صحة ما جعلت برهانا على تصحيحه ، كقوم صالح الذين سألوا الاية فلما جاءتهم الناقة آية عقروها ، وكالذين سألوا عيسى مائدة تنزل عليهم من السماء : فلما أُعْطُوها كفروا بها وما أشبه ذلك ، فحذّر الله تعالى المؤمنين بنبيه صلى الله عليه وسلم أن يسلكوا سبيل مَن قبلهم من الأمم التي هلكت بكفرهم بآيات الله لما جاءتهم عند مسألتهموها ، فقال لهم : لا تسألوا الايات ، ولا تبحثوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم ، فقد سأل الايات من قبلكم قوم فلما أوتوها أصبحوا بها كافرين . كالذي :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : " يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أشْياءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ " نهاهم أن يسألوا عن مثل الذي سألت النصارى من المائدة ، فأصبحوا بها كافرين ، فنهى الله عن ذلك .

حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : " قَدْ سأَلهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ " قد سأل الايات قوم من قبلكم ، وذلك حين قيل له : غيّر لنا الصفا ذهبا .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قَدۡ سَأَلَهَا قَوۡمٞ مِّن قَبۡلِكُمۡ ثُمَّ أَصۡبَحُواْ بِهَا كَٰفِرِينَ} (102)

وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ( أنه عليه الصلاة والسلام كان يخطب ذات يوم وهو غضبان من كثرة ما يسألون عنه مما لا يعنيهم فقال : لا أسأل عن شيء إلا أجبت ، فقال رجل : أين أبي فقال في النار ، وقال آخر من أبي فقال : حذافة وكان يدعى لغيره ) فنزلت .

{ قد سألها قوم } في الضمير للمسألة التي دل عليها تسألوا ولذلك لم يعد بعن أو لأشياء بحذف الجار . { من قبلكم } متعلق بسألها وليس صفة لقوم ، فإن ظرف الزمان لا يكون صفة للجثة ولا حالا منها ولا خبرا عنها . { ثم أصبحوا بها كافرين } أي بسببها حيث لم يأتمروا بما سألوا جحودا .