ثم قال تعالى : { قد سألها قوم من قبلكم ثم أصبحوا بها كافرين } قال المفسرون : يعني قوم صالح سألوا الناقة ثم عقروها وقوم موسى قالوا : { أرنا الله جهرة } فصار ذلك وبالا عليهم ، وبنو إسرائيل { قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله } قال تعالى : { فما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلا منهم } و{ قالوا أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه } فسألوها ثم كفروا بها ، وقوم عيسى سألوا المائدة ثم كفروا بها ، فكأنه تعالى يقول أولئك سألوا فلما أعطوا سؤالهم ساءهم ذلك فلا تسألوا عن أشياء فلعلكم إن أعطيتم سؤلكم ساءكم ذلك فإن قيل : إنه تعالى قال : أولا { لا تسألوا عن أشياء } ثم قال هاهنا : { قد سألها قوم من قبلكم } وكان الأولى أن يقول : قد سأل عنها قوم فما السبب في ذلك .
قلنا الجواب من وجهين : الأول : أن السؤال عن الشيء عبارة عن السؤال عن حالة من أحواله ، وصفة من صفاته ، وسؤال الشيء عبارة عن طلب ذلك الشيء في نفسه ، يقال : سألته درهما أي طلبت منه الدرهم ويقال : سألته عن الدرهم أي سألته عن صفة الدرهم وعن نعته ، فالمتقدمون إنما سألوا من الله إخراج الناقة من الصخرة ، وإنزال المائدة من السماء ، فهم سألوا نفس الشيء ، وأما أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فهم ما سألوا ذلك ، وإنما سألوا عن أحوال الأشياء وصفاتها ، فلما اختلف السؤالان في النوع ، اختلفت العبارة أيضا إلا أن كلا القسمين يشتركان في وصف واحد ، وهو أنه خوض في الفضول ، وشروع فيما لا حاجة إليه ، وفيه خطر المفسدة ، والشيء الذي لا يحتاج إليه ويكون فيه خطر المفسدة ، يجب على العاقل الاحتراز عنه ، فبين تعالى أن قوم محمد عليه السلام في السؤال عن أحوال الأشياء مشابهون لأولئك المتقدمين في سؤال تلك الأشياء في كون كل واحد منهما فضولا وخوضا فيما لا فائدة فيه .
الوجه الثاني : في الجواب أن الهاء في قوله { قد سألها } غير عائدة إلى الأشياء التي سألوا عنها ، بل عائدة إلى سؤالاتهم عن تلك الأشياء ، والتقدير : قد سأل تلك السؤالات الفاسدة التي ذكرتموها قوم من قبلكم ، فلما أجيبوا عنها أصبحوا بها كافرين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.