قوله : " قَدْ سَألَهَا " : الضميرُ في " سَألَهَا " ظاهرُه يعود على " أشْيَاء " ، لكن قال الزمخشري{[12702]} : " فإن قلتَ : كيف قال : لا تَسْألُوا عنْ أشْيَاء ، ثم قال : " قَدْ سَألَهَا " ولم يقل سأل عنها ؟ قلت : ليس يعودُ على أشياء ؛ حتى يتعدَّى إليها ب " عَنْ " ، وإنما يعودُ على المسألةِ المدلولِ عليها بقوله : " لا تَسْألُوا " ، أي : قد سأل المَسْألَةَ قومٌ ، ثم أصبحُوا بها - أي بمَرْجُوعِهَا - كافِرِين " ، ونحا ابن عطية{[12703]} منْحَاهُ ، قال أبو حيان{[12704]} : " ولا يتَّجِه قولُهما إلا على حذفِ مضافٍ ، وقد صَرَّحَ به بعضُ المفسِّرين ، أي : قد سأل أمثالها ، أي : أمثالَ هذه المسألةِ ، أو أمثال هذه السؤالاتِ " ، وقال الحُوفِيُّ في " سَألَهَا " : " الظاهرُ عَوْدُ الضَّميرِ على " أشْيَاء " ولا يتّجه حَمْلُه على ظاهره ، لا من جهة اللفظ العربيِّ ، ولا من جهةِ المعنى ، أمَّا من جهة اللفظ : فلأنه كان ينبغي أن يُعَدَّى ب " عَنْ " كما عُدِّيَ في الأوَّل ، وأمَّا من جهة المعنى ، فلأنَّ المسئُول عنه مختلفٌ قَطْعَاً ؛ فإنَّ سؤالهم غيرُ سؤالِ من قبلهم ؛ فإنَّ سؤال هؤلاء مثلُ من سَألَ : أيْنَ نَاقَتِي ، وما فِي بَطْنِ نَاقَتِي ، وأيْنَ أبِي ، وأيْنَ مَدْخَلِي ؟ وسؤالُ أولئك غيرُ هذا ؛ نَحْو : { أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً } [ المائدة : 114 ] { أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً } [ النساء : 153 ] { اجْعَل لَّنَآ إِلَهاً } [ الأعراف : 138 ] وسؤال ثمود الناقة ، ونحوه " . وقال الواحديُّ - ناقلاً عن الجرجانيِّ - : وهذا السؤالُ في هذه الآيات يخالفُ معنى السؤال في قوله : { لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أشْيَاءَ } { وَإِن تَسْألُوا عنها } ؛ ألا ترى أنَّ السؤال في الآية الأولى قد عُدِّيَ بالجارِّ ، وها هنا لم يُعَدَّ بالجارِّ ؛ لأن السؤالَ ها هنا طلبٌ لعينِ الشيء ؛ نحو : " سَألْتُكَ دِرْهَماً " أي طلبته منْكَ ، والسؤالُ في الآية الأولى سؤالٌ عن حالِ الشيء وكيفيَّتِهِ ، وإنما عطف بقوله { قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ } على ما قبلَها وليستْ بمثلِها في التأويل ؛ لأنه إنما نهاهم عن تكليف ما لم يُكَلَّفُوا ، وهو مرفوعٌ عنْهم فهُمَا يَشْتَرِكَانِ في وصفٍ واحدٍ ، وهو أنَّه خوضٌ في الفُضُولِ ، وفيما لا حَاجَةَ إلَيْه .
وقيل : يجوز أن يعود على " أشْيَاء " لفظاً لا معنًى ؛ كما قال النحويُّون في مسألة : " عِنْدِي دِرْهَمٌ ونِصْفُهُ " ، أي : ونِصْفُ دِرْهَمٍ آخَرَ ، ومنه : [ الطويل ]
وَكُلُّ أُناسٍ قَارَبُوا قَيْدَ فَحْلِهِمْ *** ونَحْنُ خَلَعْنَا قَيْدَهُ فَهُوَ سَارِبُ{[12705]}
وقرأ النَّخَعِيُّ{[12706]} : " سَالَهَا " بالإمالة من غير همزٍ وهما لغتان ، ومنه يتساولان فإمالتُه ل " سَألَ " كإمالة حمزة " خَافَ " ، وقد تقدَّم تحقيقُ ذلك في البقرةِ عند قوله { فَإِنَّ لَكُمْ مَّا سَأَلْتُمْ } [ البقرة : 61 ] و{ سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ } [ البقرة : 211 ] .
قال المُفَسِّرُون{[12707]} : يَعْنِي قوْمَ صَالِح ، سَألُوا النَّاقَةَ ثُمَّ عَقَرُوهَا ، وقومَ مُوسى ، قالوا : أرنَا اللَّهَ جَهْرةً ، فصارَ ذلِكَ وَبَالاً عليهم ، وبَنُو إسْرَائيل قالوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ : { ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُواْ قَالُواْ وَمَا لَنَآ أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَآئِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْاْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ } [ البقرة : 246 ] وقالوا : { أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ } [ البقرة : 247 ] فسَألُوا ثمَّ كَفَرُوا ، فكأنَّه تعالى يَقُول : أولَئِكَ سَألُوا ، فلما أعْطُوا سُؤلَهُم ساءَهُم ذلك ، فلا تَسْألوا شيئاً فَلَعَلُّكم إنْ أعطيتُمْ سُؤلكم ، ساءكم ذلك .
قوله : " مِنْ قَبْلِكُمْ " متعلق بقوله : " سَألَهَا " ، فإنْ قيل : هَلْ يجوزُ أن يكون صفةً ل " قوم " ؟ فالجواب : منعَ من ذلك جماعةٌ معتلِّين بأنَّ ظَرْفَ الزمان لا يقعُ خبراً ، ولا صفةً ، ولا حالاً عن الجُثَّة ، وقد تقدَّم نحوُ هذا في أوَّلِ البقرة عند قوله : { وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ } [ البقرة : 21 ] ، فإنَّ الصلةَ كالصفة ، و " بِهَا " متعلِّق ب " كَافرينَ " ، وإنما قُدِّم لأجْلِ الفواصل .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.