{ ذَلِكَ } الهدى المذكور { هُدَى اللَّهِ } الذي لا هدى إلا هداه . { يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ } فاطلبوا منه الهدى فإنه إن لم يهدكم فلا هادي لكم غيره ، وممن شاء هدايته هؤلاء المذكورون . { وَلَوْ أَشْرَكُوا } على الفرض والتقدير { لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } فإن الشرك محبط للعمل ، موجب للخلود في النار . فإذا كان هؤلاء الصفوة الأخيار ، لو أشركوا -وحاشاهم- لحبطت أعمالهم فغيرهم أولى .
القول في تأويل قوله تعالى : { ذَلِكَ هُدَى اللّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُمْ مّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } . .
يعني تعالى ذكره بقوله : ذَلِكَ هُدَى اللّهِ هذا الهدى الذي هديت به من سميت من الأنبياء والرسل فوفقتهم به لإصابة الدين الحقّ ، الذي نالوا بإصابتهم إياه رضا ربهم وشرف الدنيا وكرامة الاَخرة ، هو هدى الله ، يقول : هو توفيق الله ولطفه ، الذي يوفق به من يشاء ويلطف به لمن أحبّ من خلقه ، حتى يُنِيب إلى طاعة الله وإخلاص العمل له وإقراره بالتوحيد ورفض الأوثان والأصنام . وَلَوْ أشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ ما كانُوا يَعْمَلُونَ يقول : ولو أشرك هؤلاء الأنبياء الذين سميناهم بربهم تعالى ذكره ، فعبدوا معه غيره ، لَحَبِطَ عَنْهُمْ يقول : لبطل ، فذهب عنهم أجر أعمالهم التي كانوا يعلمون ، لأن الله لا يقبل مع الشرك به عملاً .
استئناف بياني ، أي لا تعجبوا من هديهم وضلال غيرهم . والإشارة إلى الهُدى الّذي هو مصدر مأخوذ من أفعال الهداية الثلاثة المذكورة في الآية قبلها ، وخصوصاً المذكور آخراً بقوله { وهديناهم إلى صراط مستقيم } [ الأنعام : 87 ] . وقد زاد اسمُ الإشارة اهتماماً بشأن الهدي إذ جعل كالشيء المشاهد فزيد باسم الإشارة كمالُ تمييز ، وأخبِر عن الهدي بأنّه هدى الله لتشريف أمره وبيان عصمته من الخطأ والضلال ، وفيه تعريض بما عليه المشركون ممّا يزعمونه هدى ويتلقّونه عن كبرائهم ، أمثاللِ عَمْرو بن لُحَيّ الذي وضع لهم عبادة الأصنام ، ومثللِ الكهّان وأضرابهم . وقد جاء هذا الكلام على طريقة الفذلكة لأحوال الهداية الّتي تكرّر ذكرها كأبيات حاتم الطائي :
وللّهِ صُعلوك يُساوِر هَمَّهُ *** ويمضي على الأحداث والدهرِ مُقدماً
إلى أن قال بعد أبيات سبعة في محامد ذلك الصّعلوك :
فذَلك إنْ يهلِكْ فحسنى ثَناؤه *** وإن عاش لم يقْعد ضعيفاً مذمَّماً
وقوله تعالى : { يهدي به من يشاء من عباده } جملة في موضع الحال من { هُدى الله } . والمراد ب { من يشاء } الّذين اصطفاهم الله واجتباهم وهو أعلم بهم وباستعدادهم لهديه ونبذهم المكابرة وإقبالهم على طلب الخير وتطلّعهم إليه وتدرّجهم فيه إلى أن يبلغوا مرتبة إفاضة الله عليهم الوحيَ أو التّوفيق والإلهام الصادق . ففي قوله : { من يشاء } من الإبهام ما يبعث النّفوس على تطلّب هُدى الله تعالى والتّعرّض لنفحاته ، وفيه تعريض بالمشركين الّذين أنكروا نبوءة محمّد صلى الله عليه وسلم حسداً ، ولذلك أعقبه بقوله { ولو أشركوا لحَبِط عنهم ما كانوا يعملون } تفظيعاً لأمر الشرك وأنّه لا يغتفر لأحد ولو بلغ من فضائل الأعمال مبلغاً عظيماً مثل هؤلاء المعدودين المنوّه بهم . والواو للحال . و« حبط » معناه تلف ، أي بطل ثوابه . وقد تقدّم في قوله تعالى : { ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم } في سورة [ البقرة : 217 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.