معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{مَا يَنظُرُونَ إِلَّا صَيۡحَةٗ وَٰحِدَةٗ تَأۡخُذُهُمۡ وَهُمۡ يَخِصِّمُونَ} (49)

قال الله تعالى : { ما ينظرون } أي : ما ينتظرون ، { إلا صيحةً واحدةً } قال ابن عباس : يريد النفخة الأولى ، { تأخذهم وهم يخصمون } يعني : يختصمون في أمر الدنيا من البيع والشراء ، ويتكلمون في المجال والأسواق . قرأ حمزة :{ يخصمون } بسكون الخاء وتخفيف الصاد ، أي : يغلب بعضهم بعضاً بالخصام ، وقرأ الآخرون بتشديد الصاد ، أي : يخصّمون . أدغمت التاء في الصاد ، ثم ابن كثير و يعقوب وورش يفتحون الخاء بنقل حركة التاء المدغمة إليها ، ويجزمها أبو جعفر وقالون ، ويروم فتحة الخاء أبو عمرو ، وقرأ الباقون بكسر الخاء . وروينا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما فلا يتبايعانه ولا يطويانه ، ولتقومن الساعة وقد رفع الرجل أكلته إلى فيه فلا يطعمها " .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{مَا يَنظُرُونَ إِلَّا صَيۡحَةٗ وَٰحِدَةٗ تَأۡخُذُهُمۡ وَهُمۡ يَخِصِّمُونَ} (49)

قال اللّه تعالى : لا يستبعدوا ذلك ، فإنه [ عن ] قريب { مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً } وهي نفخة الصور { تَأْخُذُهُمْ } أي : تصيبهم { وَهُمْ يَخِصِّمُونَ } أي : وهم لا هون عنها ، لم تخطر على قلوبهم في حال خصومتهم ، وتشاجرهم بينهم ، الذي لا يوجد في الغالب إلا وقت الغفلة .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{مَا يَنظُرُونَ إِلَّا صَيۡحَةٗ وَٰحِدَةٗ تَأۡخُذُهُمۡ وَهُمۡ يَخِصِّمُونَ} (49)

القول في تأويل قوله تعالى : { مَا يَنظُرُونَ إِلاّ صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأُخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصّمُونَ * فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلاَ إِلَىَ أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ } .

يقول تعالى ذكره : ما ينتظر هؤلاء المشركون الذين يستعجلون بوعيد الله إياهم ، إلا صيحة واحدة تأخذهم ، وذلك نفخة الفَزَع عند قيام الساعة . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل ، وجاءت الاَثار . ذكر من قال ذلك ، وما فيه من الأثر :

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا ابن أبي عديّ ومحمد بن جعفر ، قالا : حدثنا عوف بن أبي جميلة عن أبي المغيرة القوّاس ، عن عبد الله بن عمرو ، قال : لُيْنفَخَنّ في الصور ، والناس في طرقهم وأسواقهم ومجالسهم ، حتى إن الثوب ليكون بين الرجلين يتساومان ، فما يُرسله أحدهما من يده حتى يُنفَخ في الصور ، وحتى إن الرجل ليغدو من بيته فلا يرجع حتى ينفخ في الصّور ، وهي التي قال الله : { ما يَنْظُرُونَ إلاّ صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصّمُونَ فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً . . . } الاَية .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة { ما يَنْظُرُونَ إلاّ صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصّمُون } ذُكر لنا أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يقول : «تَهِيجُ السّاعَةُ بالنّاسِ وَالرّجُلُ يَسْقِي ماشِيَتَهُ ، وَالرّجُلُ يُصْلِحُ حَوْضَهُ ، وَالرّجُلُ يُقِيمُ سِلْعَتَهُ فِي سُوقِهِ والرّجُلُ يَخْفِضُ مِيزَانَهُ وَيَرْفَعُهُ ، وَتهِيجُ بِهِمْ وَهُمْ كَذلكَ ، { فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً ولا إلى أهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ } .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : ما ينظُرُونَ إلاّ صَيْحَةً وَاحِدَةً قال : النفخة نفخة واحدة .

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربيّ ، عن إسماعيل بن رافع ، عمن ذكره ، عن محمد بن كعب القرظيّ ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنّ اللّهَ لمّا فَرَغَ مِنْ خَلْقِ السّمَوَاتِ والأرْضِ خَلَقَ الصّورَ ، فأعْطاهُ إسْرَافِيلَ ، فَهُوَ وَاضِعُهُ عَلى فِيهِ شاخِصٌ بِبَصَرِهِ إلى العَرْشِ يَنْتَظِرُ مَتى يُؤْمَرُ » قالَ أبو هريرة : يا رسول الله : وما الصور ؟ قال : «قَرْنٌ » قال : وكَيْفَ هُوَ ؟ قال : «قَرْنٌ عَظِيمٌ يُنْفَخُ فِيهِ ثَلاثُ نَفَخاتٍ ، الأُولى نَفْخَةُ الفَزَعِ ، والثّانِيَةُ نَفْخَةُ الصّعْقِ ، والثّالِثَةُ نَفْخَةُ القِيام لِرَبّ العالَمِينَ ، يَأْمُرُ اللّهُ إسْرَافِيلَ بالنّفْخَةِ الأُولى فَيَقُولُ : انْفُخْ نَفْخَةَ الفَزَعِ ، فَيَفْزَعُ أهْلُ السّمَوَاتِ وأهْلُ الأرْضِ إلاّ مَنْ شاءَ اللّهُ ، وَيأْمُرُهُ اللّهُ فَيُدِيمُها وَيُطَوّلُها ، فَلا يَفْتُرُ ، وَهِيَ التي يَقُولُ اللّهُ : ما يَنْظُرُ هَؤُلاءِ إلاّ صَيْحَةً وَاحِدَةً ما لَهَا مِنْ فَوَاقٍ ، ثُمّ يَأْمُرُ اللّهُ إسْرَافِيلَ بنَفْخَةِ الصّعْقِ ، فَيَقُولُ : انْفُخْ نَفْخَةَ الصّعْقِ ، فَيَصْعَقُ أهْلُ السّمَوَاتِ والأرْضِ إلاّ مَنْ شاءَ اللّهُ ، فإذَا هُمْ خامِدُونَ ، ثُمّ يُمِيتُ مَنْ بَقِيَ ، فإذَا لَمْ يَبْقَ إلاّ اللّهُ الوَاحِدُ الصّمَدُ ، بَدّلَ الأرْضَ غيرَ الأرْضِ والسّمَوَاتِ ، فَيَبْسُطُها وَيَسْطَحُها ، وَيَمُدّها مَدّ الأدِيمِ العِكاظِيّ ، لا تَرَى فِيها عِوَجا وَلا أمْتا ، ثُمّ يَزْجُرُ اللّهُ الخَلْقَ زَجْرَةً ، فإذَا هُمُ فِي هَذِهِ المُبَدّلَةِ فِي مِثْلِ مَوَاضِعِهِمْ مِنَ الأُولى ما كانَ في بَطْنها كان في بَطْنِها ، وَما كانَ على ظَهْرِها كانَ عَلى ظَهْرِها » .

واختلفت القرّاء في قراءة قوله : { وَهُمْ يَخِصّمُونَ } فقرأ ذلك بعض قرّاء المدينة : «وَهُمْ يَخْصّمُونَ » بسكون الخاء وتشديد الصاد ، فجمع بين الساكنين ، بمعنى : يختصمون ، ثم أدغم التاء في الصاد فجعلها صادا مشدّدة ، وترك الخاء على سكونها في الأصل . وقرأ ذلك بعض المكيين والبصريين : «وَهُمْ يُخَصّمُونَ » بفتح الخاء وتشديد الصاد بمعنى : يختصمون ، غير أنهم نقلوا حركة التاء وهي الفتحة التي في يفتعلون إلى الخاء منها ، فحرّكوها بتحريكها ، وأدغموا التاء في الصاد وشدّدوها . وقرأ ذلك بعض قرّاء الكوفة : يَخِصّمُونَ بكسر الخاء وتشديد الصاد ، فكسروا الخاء بكسر الصاد وأدغموا التاء في الصاد وشدّدوها . وقرأ ذلك آخرون منهم : «يَخْصِمُونَ » بسكون الخاء وتخفيف الصاد ، بمعنى «يَفْعَلُونَ » من الخصومة ، وكأن معنى قارىء ذلك كذلك : كأنهم يتكلمون ، أو يكون معناه عنده : كان وهم عند أنفسهم يَخْصمُون مَن وعدهم مجيء الساعة ، وقيام القيامة ، ويغلبونه بالجدل في ذلك .

والصواب من القول في ذلك عندنا أن هذه قراءات مشهورات معروفات في قرّاء الأمصار ، متقاربات المعاني ، فبأيتهنّ قرأ القارىء فمصيب .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{مَا يَنظُرُونَ إِلَّا صَيۡحَةٗ وَٰحِدَةٗ تَأۡخُذُهُمۡ وَهُمۡ يَخِصِّمُونَ} (49)

{ ما ينظرون } :ما ينتظرون . { إلا صيحة واحدة } هي النفخة الأولى . { تأخذهم وهم يخصمون } : يتخاصمون في متاجرهم ومعاملاتهم لا يخطر ببالهم أمرها كقوله : { أو تأتيهم الساعة بغتة وهم لا يشعرون } وأصله يختصمون فسكنت التاء أدغمت ثم كسرت الخاء لالتقاء الساكنين ، وقرأ أبو بكر بكسر الياء للاتباع ، وقرأ ابن كثير وورش وهشام بفتح الخاء على إلقاء حركة التاء إليه ، وأبو عمرو وقالون به مع الاختلاس وعن نافع الفتح فيه والإسكان والتشديد وكأنه جوز الجمع بين الساكنين إذا كان الثاني مدغما ، وقرأ حمزة { يخصمون } من خصمه إذا جادله .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{مَا يَنظُرُونَ إِلَّا صَيۡحَةٗ وَٰحِدَةٗ تَأۡخُذُهُمۡ وَهُمۡ يَخِصِّمُونَ} (49)

وفعل { يَنظُرُونَ } مشتق من النَّظِرة وهو الترقب ، وتقدم في قوله تعالى : { هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة في سورة } [ الأنعام : 158 ] .

والصيحة : الصوت الشديد الخارج من حلق الإِنسان لزجر ، أو استغاثة . وأطلقت الصيحة في مواضع في القرآن على صوت الصاعقة كما في قوله تعالى في شأن ثمود : { فأخذتهم الصيحة } [ الحجر : 73 ] . فالصيحة هنا تحتمل المجاز ، أي ما ينتظرون إلا صعقة أو نفخة عظيمة . والمراد النفخة الأولى التي ينقضي بها نظام الحياة في هذا العالم ، والأخرى تنشأ عنها النشأة الثانية وهي الحياة الأبدية ، فيكون أسلوب الكلام خارجاً على الأسلوب الحكيم إعراضاً عن جوابهم لأنهم لم يقصدوا حَقيقة الاستفهام فأجيبوا بأن ما أعد لهم من العذاب هو الأجدر بأن ينتظروه .

ومعنى { تأخُذُهُم } تُهلكهم فجأة ، شبه حلول صيحة العقاب بحلول المُغِيرين على الحيّ لأخذ أنعامه وسَبْي نِسائه ، فأطلق على ذلك الحلوللِ فعل { تأخُذُهُم } كقوله تعالى : { فعصوا رسول ربهم فأخذهم أخذة رابية } [ الحاقة : 10 ] أي تحلّ بهم وهم يختصمون . وإسناد الأخذ إلى الصيحة حقيقة عقلية لأنهم يهلكون بصعقتها .

ويحتمل أن تكون الصيحة على حقيقتها وهي صيحة صائحين ، أي ما ينتظرون إلا أن يصاح بهم صيحة تنذر بحلول القتل ، فيكون إنذاراً بعذاب الدنيا . ولعلها صيحة الصارخ الذي جاءهم بخبر تعَرّض المسلمين لركب تجارة قريش في بدر .

و { يَخصّمُونَ } من الخصومة والخصام وهو الجدال ، وتقدم في قوله : { ولا تكن للخائنين خصيماً } في سورة النساء } ( 105 ) ، وقوله : { هذان خصمان } في سورة الحج } ( 19 ) . وأصله : يختصمون فوقع إبدالُ التاء ضاداً لقرب مخرجيهما طلباً للتخفيف بالإِدغام .

واختلَف القراء في كيفية النطق بها ، فقرأه الجميع بفتح الياء واختلفوا فيما عدا ذلك : فقرأ ورش عن نافع وابنُ كثير وأبو عمرو في رواية عنه { يَخصّمُونَ } بتشديد الصاد مكسورة على اعتبار التاء المبدلة صاداً والمسَكَّنةُ لأجل الإِدغام ، ألقيت حركتُها على الخاء التي كانت ساكنة . وقرأه قالون عن نافع وأبو عمرو في المشهور عنه بسكون الخاء سكوناً مختلَساً ( بالفتح ) لأجل التخلص من التقاء الساكنين وبكسر الصاد مشدّدة .

وقرأه عاصم والكسائي وابنُ ذكوان عن ابن عامر ويعقوبُ وخلف { يَخصّمُونَ } بكسر الخاء وكسر الصاد مشدّدة . وقرأه حمزة { يخْصِمون } بسكون الخاء وكسر الصاد مخففة مضارع ( خَصم ) قيل بمعنى جادل . وقرأ أبو جعفر { يخْصِّمون } بإسكان الخاء وبكسر الصاد مشددة على الجمع بين الساكنين .

والاختصام : اختصامهم في الخروج إلى بدر أو في تعيين من يخرج لما حلّ بهم من مفاجآت لهم وهم يختصمون بين مصدق ومكذب للنذير . وإسناد الأخذ إلى الصيحة على هذا التأويل مجاز عقلي لأن الصيحة وقت الأخذ وإنما تأخذهم سيوف المسلمين . وتقديم المسند إليه على المسند الفعلي في قوله : { وهُمْ يَخصّمُونَ } لإِفادة تقوّي الحكم وهو أن الصيحة تأخذهم .

وفرع على { تأخُذُهُمْ } جملة { فَلا يَسْتَطِيعونَ توصِيَةً } أي لا يتمكنون من توصية على أهليهم وأموالهم من بعدهم كما هو شأن المحْتضَر ، فإن كان المراد من الصيحة صيحة الواقعة كان قوله : { فَلا يَسْتَطِيعونَ توصِيَةً } كناية عن شدة السرعة بين الصيحة وهلاكهم ، إذ لا يكون المراد مدلوله الصريح لأنهم لا يتركون غيرهم بعدهم إذ الهلاك يأتي على جميع الناس .

وإن كان المراد من الصيحة صيحة القتال كان المعنى : أنهم يفزعون إلى مواقع القتال يوم بدر ، أو إلى ترقب وصول جيش الفتح يوم الفتح فلا يتمكنون من الحديث مع من يُوصُونه بأهليهم .

والتوصية : مصدر وَصَّى المضاعف وتنكيرها للتقليل ، أي لا يستطيعون توصية ما .