اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{مَا يَنظُرُونَ إِلَّا صَيۡحَةٗ وَٰحِدَةٗ تَأۡخُذُهُمۡ وَهُمۡ يَخِصِّمُونَ} (49)

قوله : { مَا يَنظُرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً } . قال ابن عباس : ما ينتظرون إلاّ الصيحة المعلومة يريد النفخة الأولى{[46337]} والتنكير للتكثير .

فإن قيل{[46338]} : هم ما كانوا ينتظرون بل كانوا يجزمون بعدمها .

فالجواب : المراد بالانتظار فعلهم لأنهم كانوا يفعلون ما يستحق به فاعله الهوان وتعجيل العذاب وتقريب الساعة لولا حكم الله وعلمه بأنهم لا يفوتونه أو يقال : لما لم يكن قولهم «متى » استفهاماً حقيقياً قال ينتظرون انتظاراً غير حقيقي لأن القائل متى يفهم منه الانتظار نظر لقوله .

فصل

ذكر في الصيحة أموراً تدل على عظمها :

أحدها : التنكير

وثانيها : قوله «واحدة » أي لا يحتاج معها إلى ثانية .

ثالثها : «تأخذهم » أي تَعْمُّهم بالأَخْذِ وتصلُ إلى مَنْ في الأرض مشارقِهَا ومَغَارِبها{[46339]} .

قوله : { وَهُمْ يَخِصِّمُونَ } قرأ حمزة بسكون الخاء وتخفيف الصاد من خَصَم يَخْصِمُ . والمعنى يخصم بعضهم بعضاً فالمفعول محذوف{[46340]} ، وأبو عمرو وقالون بإخفاء فتحة الخاء ، وتشديد الصاد . ونافع وابن كثير وهشام كذلك إلا أنه بإخلاص فتحة الخاء ، والباقون بكسر الخاء{[46341]} وتشديد الصاد والأصل في القراءات الثلاث يَخْتَصمُونَ فأدغمت التاء في الصاد . فنافع وابن كثير وهشام نقلوا فتحتها إلى الساكن قبلها نقلاً كاملاً ، وأبو عمرو وقالون اختلسا حركتها تنْبِيهاً على أن الخاء أصلها السكون والباقون حذفوا حركتها فالتقى ساكنان كذلك فكسر ( وا ){[46342]} أولهما . فهذه أربع قراءات قرئ بها في المشهور ، وروي عن أبي عمرو وقالون سكون الخاء وتشديد الصاد فالنحاة يستشكلونها للجمع بين ساكنين على غير حَدِّيْهمَا .

وقرأ جماعة «يخِصِّمُونَ » بكسر الياء والخاء وتشديد الصاد وكسروا الياء إتباعاً{[46343]} . وقرأ أبيّ يَخْتَصِمُونَ على الأصل{[46344]} ، وقال أبو حيان وروي عنهما- أي عن أبي عمرو وقالون - سكون الخاء ، وتخفيف الصاد من خَصَم{[46345]} . قال شهاب الدين : هذه هي قراءة حَمْزَةَ ولم يحكِها هو عنه ، وهذا يشبه قوله : { يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ }{[46346]} [ البقرة : 20 ] في البقرة و «لاَ يَهْدِّي »{[46347]} في يُونُس وقرأ ابن مُحَيْصِن «يرجعون » مبنيٍّا للمفعول{[46348]} .

فصل

قال عليه ( الصلاة و ) السلام : «لَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدْ نَشَرَ الرجُلاَنِ ثَوْبَهُمَا بَيْنَهُمَا فَلاَ يِبِيعانِهِ وَلاَ يَطْوِيَانِهِ وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدْ رَفَعَ الرَّجُلُ أَكْلَتَهُ إلَى فِيهِ{[46349]} فَلاَ يَطْعَمُها » .


[46337]:قاله الخازن والبغوي في تفسيريهما 6/11.
[46338]:الرازي 26/86 و 87.
[46339]:الرازي 26/86 و 87.
[46340]:انظر: الإتحاف 365 والسبعة 541 وإبراز المعاني 659 وكشف مكي 2/217 و 218 والنشر 2/354 وتقريب النشر 165 ونسبها الفراء في المعاني إلى يحيى بن وثاب 2/379. وانظر: حجة ابن خالويه 298 وزاد المسير 7/25 والكشاف 3/325.
[46341]:المراجع السابقة وانظر في هذا كله البحر لأبي حيان 7/340 و 341 والدر المصون 4/522 وهي قراءات متواترة.
[46342]:ما بين القوسين زيادة من أ ففي ب كسر بدون واو. وانظر هذا في الدر 4/522 والإتحاف والمراجع السابقة.
[46343]:نقلها أبو حيان 7/341 والسمين في الدر 4/522 والزمخشري في الكشاف 3/325.
[46344]:المراجع الثلاثة السابقة. وانظر أيضا معاني القرآن للفراء 2/379 ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج 4/290 وفصل الزجاج قراءة: "يخصمون" بفتح الخاء مع الياء قال: "والقراءة الجيدة يخصمون بفتح الخاء والأصل: يختصمون فطرحت فتحة التاء على الخاء وأدغمت في الصاد".
[46345]:البحر 7/341.
[46346]:وكسر الطاء قراءة مجاهد. والفتح أعلى وأفصح كما قال الزمخشري انظر: الكشاف 1/219.
[46347]:وهي قراءة حمزة والكسائي وهي الآية 35 من يونس وانظر: السبعة 326 والإتحاف 365.
[46348]:السابق وانظر: البحر 7/341 والدر 4/523.
[46349]:من حديث طويل رواه البخاري في صحيحه 4/231 وقد رواه أبو هريرة.