القول في تأويل قوله تعالى : { قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيّهَا الْمُرْسَلُونَ * قَالُواْ إِنّآ أُرْسِلْنَآ إِلَىَ قَوْمٍ مّجْرِمِينَ * إِلاّ آلَ لُوطٍ إِنّا لَمُنَجّوهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاّ امْرَأَتَهُ قَدّرْنَآ إِنّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ } .
يقول تعالى ذكره : قال إبراهيم للملائكة : فما شأنكم ؟ ما أمَرُكم أيّها المرسلون ؟ قالت الملائكة له : إنّا أُرْسِلْنا إلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ يقول : إلى قوم قد اكتسبوا الكفر بالله . إلا آلَ لُوطٍ يقول : إلا أتباع لوط على ما هو عليه من الدّين ، فإنا لن نهلكهم بل ننجيهم من العذاب الذي أمرنا أن نعذّب به قوم لوط ، سوى امرأة لوط قَدّرْنا إنها مِنَ الغَابِرِينَ يقول : قضى الله فيها إنها لمن الباقين ثم هي مهلكة بعد . وقد بيّنا الغابر فيما مضى بشواهده .
{ إلا امرأته } استثناء من { آل لوط } ، أو من ضميرهم ، وعلى الأول لا يكون إلا من ضميرهم لاختلاف الحكمين اللهم إلا أن يجعل { إنا لمُنجّوهم } اعتراضا ، وقرأ حمزة والكسائي " لَمُنْجُوهُم " مخففا . { قدّرنا إنها لمن الغابرين } الباقين مع الكفرة لتهلك معهم . وقرأ أبو بكر عن عاصم " قَدَرْنا " هنا وفي " النمل " بالتخفيف ، وإنما علق والتعليق من خواص أفعال القلوب لتضمنه معنى العلم . ويجوز أن يكون { قدّرنا } أجري مجرى قلنا لأن التقدير بمعنى القضاء قول ، وأصله جعل الشيء على مقدار غيره وإسنادهم إياه إلى أنفسهم . وهو فعل الله سبحانه وتعالى لما لهم من القرب والاختصاص به .
وقوله { إلا امرأته } استثناء بعد استثناء وهما منقطعان فيما حكى بعض النحاة لأنهم لم يجعلوا امرأته الكافرة من آله .
قال القاضي أبو محمد : وفي هذا نظر ، لأنها قبل الاستثناء داخلة في اللفظ الذي هو الأول ، وليس كذلك الأول مع «المجرمين » ، فيظهر الاستثناء الأول منقطعاً والثاني متصلاً ، والاستثناء بعد الاستثناء يرد المستثنى الثاني في حكم أمر الأول ، ومثل بعض الناس في هذا بقولك : لي عندك مائة درهم إلا عشرة دراهم إلا درهمين ، فرجعت الدرهمان في حكم التسعين الدرهم ، وقال المبرد : ليس هذا المثال بجيد ، لأنه من خلق الكلام ورثه إذ له طريق إلى أداء المعنى المقصود بأجمل من هذا التخليق ، وهو أن يقول لي عندك مائة إلا ثمانية ، وإنما ينبغي أن يكون مثالاً للآية قولك : ضربت بني تميم إلا بني دارم إلا حاجباً ، لأن حاجباً من بني دارم فلما كان المستثنى الأول في ضمنه ما لا يجري الحكم عليه ، والضرورة تدخله في لفظه ولا يمكنك العبارة عنه دون ذلك يجري الحكم عليهم اضطررت إلى استثناء ثان{[7193]} .
قال القاضي أبو محمد : ونزعة المبرد في هذا نبيلة ، وقرأ جميعهم سوى عاصم في رواية أبي بكر «قدّرنا » بتشديد الدال في كل القرآن ، وقرأ عاصم «قدَرنا » بتخفيفها ، ونقل في رواية حفص ، والتخفيف يكون بمعنى التثقيل كما قال الهذلي أبو ذؤيب : [ الطويل ]
ومفرهة عنس قدرت لساقها . . . فخرت كما تتابع الريح بالقفل{[7194]}
يريد قدرت ضربي لساقها ، وكقول النبي عليه السلام في الاستخارة : «واقدر لي الخير حيث كان »{[7195]} ، ويكون أيضاً بمعنى سن ووفق ومنه قول الشاعر : { يزيد بن مفرغ ]
بقندهار ومن تقدير منيته . . . يرجع دونه الخبر{[7196]}
وكسرت الألف من { إنها } بسبب اللام التي في قوله { لمن } والغابر الباقي في الدهر وغيره ، وقالت فرقة منهم النحاس : هو من الأضداد ، يقال في الماضي وفي الباقي{[7197]} ، وأما في هذه الآية فهي للبقاء أي من الغابرين في العذاب .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.