الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{إِلَّا ٱمۡرَأَتَهُۥ قَدَّرۡنَآ إِنَّهَا لَمِنَ ٱلۡغَٰبِرِينَ} (60)

" إلا امرأته " استثنى من آل لوط امرأته وكانت كافرة فالتحقت بالمجرمين في الهلاك . وقد تقدمت قصة قوم لوط في " الأعراف " {[9701]} وسورة " هود " {[9702]} بما فيه كفاية . " قدرنا إنها لمن الغابرين " أي قضينا وكتبنا إنها لمن الباقين في العذاب . والغابر : الباقي . قال{[9703]} :

لا تَكْسَعِ الشَّوْلَ بِأَغْبَارِهَا *** إنك لا تدري منِ النَّاتِجُ

الأغبار : بقايا اللبن . وقرأ أبو بكر والمفضل " قَدَرنا " بالتخفيف هنا وفي النمل{[9704]} ، وشدد الباقون . الهروي : يقال قدَّر وقدَر ، بمعنى .

الثانية : لا خلاف بين أهل اللسان وغيرهم أن الاستثناء من النفي إثبات ومن الإثبات نفي ، فإذا قال رجل : له علي عشرة دراهم إلا أربعة إلا درهما ، ثبت الإقرار بسبعة ؛ لأن الدرهم مستثنى من الأربعة ، وهو مثبت لأنه مستثنى من منفي ، وكانت الأربعة منفية ؛ لأنها مستثناة من موجب وهو العشرة ، فعاد الدرهم إلى الستة فصارت سبعة . وكذلك لو قال : علي خمسة دراهم إلا درهم إلا ثلثيه ، كان عليه أربعة دراهم وثلث . وكذلك إذا قال : لفلان علي عشرة إلا تسعة إلا ثمانية إلا سبعة ، كان الاستثناء الثاني راجعا إلى ما قبله ، والثالث إلى الثاني فيكون عليه درهمان ؛ لأن العشرة إثبات والثمانية إثبات فيكون مجموعها ثمانية عشر . والتسعة نفي والسبعة نفي فيكون ستة عشر تسقط من ثمانية عشر ويبقى درهمان ، وهو القدر الواجب بالإقرار لا غير . فقوله سبحانه : " إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين . إلا آل لوط إنا لمنجوهم أجمعين . إلا امرأته " فاستثنى آل لوط من القوم المجرمين ، ثم قال : " إلا امرأته " فاستثناها من آل لوط ، فرجعت في التأويل إلى القوم المجرمين كما بينا . وهكذا الحكم في الطلاق ، لو قال لزوجته : أنت طالق ثلاثا إلا اثنتين إلا واحدة طلقت اثنتين ؛ لأن الواحدة رجعت إلى الباقي من المستثنى منه وهي الثلاث . وكذا كل ما جاء من هذا فتفهمه .


[9701]:راج ج 7 ص 243.
[9702]:راجع ج 9 ص 62.
[9703]:القائل هو الحارث بن حلزة. والكسع: ضرب ضرع الناقة بالماء البارد ليجف لبنها ويتراد في ظهرها فيكون أقوى لها على الجدب في العام القابل. والشول: جمع شائلة وهي من الإبل التي أتى عليها من حملها أو وضعها سبعة أشهر فجف لبنها. والأغبار: جمع الغبر، وهي بقية اللبن في الضرع.
[9704]:راجع ج 13 ص 219.