{ أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ } : أي : أفمن وجبت عليه كلمة العذاب باستمراره على غيه وعناده وكفره ، فإنه لا حيلة لك في هدايته ، ولا تقدر تنقذ من في النار لا محالة .
لكن الغنى كل الغنى ، والفوز كل الفوز ، للمتقين الذين أعد لهم من الكرامة وأنواع النعيم ، ما لا يقادر قدره .
القول في تأويل قوله تعالى : { أَفَمَنْ حَقّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِي النّارِ * لََكِنِ الّذِينَ اتّقَواْ رَبّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مّبْنِيّةٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ وَعْدَ اللّهِ لاَ يُخْلِفُ اللّهُ الْمِيعَادَ } .
يعني تعالى ذكره بقوله : أَفَمَنْ حَقّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ العَذَابِ : أفمن وجبت عليه كلمة العذاب في سابق علم ربك يا محمد بكفره به ، كما :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : أَفَمَنْ حَقّ عَلَيْه كَلِمَةُ العَذَابِ بكفره .
وقوله : أَفأنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النّارِ يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : أفأنت تنقذ يا محمد من هو في النار من حق عليه كلمة العذاب ، فأنت تنقذه فاستغنى بقوله : تُنْقِذُ مَنْ فِي النّارِ عن هذا . وكان بعض نحويي الكوفة يقول : هذا مما يراد به استفهام واحد ، فيسبق الاستفهام إلى غير موضعه ، فيردّ الاستفهام إلى موضعه الذي هو له . وإنما المعنى والله أعلم : أفأنت تنقذ من في النار من حقّت عليه كلمة العذاب . قال : ومثله من غير الاستفهام : أَيَعِدُكُمْ أنّكُمُ إذا مِتّمْ وكُنْتُمْ تُرابا وَعِظاما أنّكُمْ مُخْرِجُونَ فردّد «أنكم » مرّتين . والمعنى والله أعلم : أيعدكم أنكم مخرجون إذا متم ومثله قوله : لا تَحْسَبنّ الّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أتَوْا ويُحِبّونَ أنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنّهُمْ بِمَفازَة مِنَ العَذَابِ . وكان بعضهم يستخطىء القول الذي حكيناه عن البصريين ، ويقول : لا تكون في قوله : أَفَأنْتَ تُتْقِذُ مَنْ فِي النّارِ كناية عمن تقدم ، لا يقال : القوم ضربت من قام ، يقول : المعنى : ألتجرئة أفأنت تُنقذ من في النار منهم . وإنما معنى الكلمة : أفأنت تهدي يا محمد من قد سبق له في علم الله أنه من أهل النار إلى الإيمان ، فتنقذه من النار بالإيمان ؟ لست على ذلك بقادر .
{ أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من في النار } جملة شرطية معطوفة على محذوف دل عليه الكلام تقديره أأنت مالك أمرهم فمن حق عليه العذاب فأنت تنقذه ، فكررت الهمزة في الجزاء لتأكيد الإنكار والاستبعاد ، ووضع { من في النار } موضع الضمير لذلك وللدلالة على أن من حكم عليه بالعذاب كالواقع فيه لامتناع الخلف فيه ، وأن اجتهاد الرسل في دعائهم إلى الإيمان سعي في إنقاذهم من النار ، ويجوز أن يكون { أفأنت } تنقذ جملة مستأنفة للدلالة على ذلك والإشعار بالجزاء المحذوف .
أسقط العلامة التي في الفعل المسند إلى الكلمة لوجهين : أحدهما الحائل الذي بين الفعل والفاعل ، ولو كان متصلاً به لم يحسن ذلك ، والثاني أن الكلمة غير مؤنث حقيقي ، وهذا أخف وأجوز من قولهم : حضر القاضي يوماً امرأة ، لأن التأنيث هنا حقيقي . وقالت فرقة : في هذا الكلام محذوف أختصره لدلالة الظاهرة عليه تقديراً : { أفمن حق عليه كلمة العذاب } تتأسف أنت عليه أو نحو هذا من التقدير ، ثم استأنف توقيف النبي صلى الله عليه وسلم على أنه يريد أن ينقذ من في النار ، أي ليس هذا إليك . وقالت فرقة : الألف في قوله : { أفأنت } إنما هي مؤكدة زادها لطول ، وإنما معنى الآية : «أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذه ؟ » لكنه زاد الألف الثانية توكيداً للأمر ، وأظهر الضمير العائد تشهيراً لهؤلاء القوم وإظهاراً لخسة منازلهم ، وهذا كقول الشاعر [ عدي بن زيد العبادي ] : [ الخفيف ]
لا أرى الموت يسبق الموت شيء*** . . . . . . . . . . . . . . . . .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.