تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{أَفَمَنۡ حَقَّ عَلَيۡهِ كَلِمَةُ ٱلۡعَذَابِ أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِي ٱلنَّارِ} (19)

قوله تعالى : { أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ } ذكر الله تعالى في هذه السورة أشياء ، لا تقدر لها أجوبة في الظاهر إلا بالتأمل والاستدلال على غيره .

من ذلك ما ذكر : { أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ } كأنه يقول : والله أعلم ، " أفمن حق عليه العذاب " كمن له البشرى في الآخرة . لأنه ذكر في ما تقدم للمؤمنين البشرى حين قال عز وجل : { وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ } [ الزمر : 17 ] على هذا يخرج جوابه : أفمن وجب عليه العذاب كمن وجبت له البشرى ؟ أو يقول : أفمن حق ووجب عليه العذاب كمن شرح صدره الإسلام ؟ أي ليس الذي وجب له العذاب كالذي شرح صدره للإسلام ، أو يقول هذا لنازلة ، كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم لحرصه على إسلام قوم أحب أن يسلموا ، فقال هذا له على الإياس من إسلامهم ؛ يقول : أفمن وجب عليه العذاب ؟ أفأنت تنقذه ؟ وتخلص من النار من قد وجب عليه العذاب ؟ وهو ما قال عز وجل : { إنك لا تهدي من أحببت } [ القصص : 56 ] وكقوله : { أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين } [ يونس : 99 ] كان لا يقدر أن يكرههم على الإسلام ، لكنه كان يحب ، ويحرص على إسلامهم ، ويحزن لتركهم الإسلام كقوله { ولا تحزن عليهم } [ النحل : 127 ] وقوله : { لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين } [ الشعراء : 3 ]وقوله : { فلا تذهب نفسك عليهم حسرات } [ فاطر : 8 ] ونحو ذلك .

كان يحزن ، وكادت نفسه تتلف إشفاقا عليهم ، فيقول : أفمن وجب ، وحق عليه العذاب ، تقدر أن تنقذه من النار ؟ أي لا تقدر على ذلك ، والله أعلم .