ثم قال { أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من في النار } وفيه مسائل :
المسألة الأولى : في لفظ الآية سؤال وهو أنه يقال إنه قال : { أفمن حق عليه كلمة العذاب } ولا يصح في الكلام العربي أن يدخل حرف الاستفهام على الاسم وعلى الخبر معا ، فلا يقال أزيد أتقتله ، بل ههنا شيء آخر ، وهو أنه كما دخل حرف الاستفهام على الشرط وعلى الجزاء ، فكذلك دخل حرف الفاء عليهما معا وهو قوله : { أفمن حق } ، { أفأنت تنقذ } ولأجل هذا السؤال اختلف النحويون وذكروا فيه وجوها الأول : قال الكسائي : الآية جملتنا والتقدير أفمن حق عليه كلمة العذاب ، أفأنت تحميه ، أفأنت تنقذ من في النار الثاني : قال صاحب «الكشاف » : أصل الكلام أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذه ، وهي جملة شرطية دخل عليها همزة الإنكار والفاء فاء الجزاء ، ثم دخلت الفاء التي في أولها للعطف على محذوف يدل عليه الخطاب والتقدير أأنت مالك أمرهم ، فمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذه ، والهمزة الثانية هي الأولى كررت لتوكيد معنى الإنكار والاستبعاد ، ووضع من في النار موضع الضمير ، والآية على هذا جملة واحدة الثالث : لا يبعد أن يقال إن حرف الاستفهام إنما ورد ههنا لإفادة معنى الإنكار ، ولما كان استنكاره هذا المعنى كاملا تاما . لا جرم ذكر هذا الحرف في الشرط وأعاده في الجزاء تنبيها على المبالغة التامة في ذلك الإنكار .
المسألة الثانية : احتج الأصحاب بهذه الآية في مسألة الهدى والضلال ، وذلك لأنه تعالى قال : { أفمن حق عليه كلمة العذاب } فإذا حقت كلمة العذاب عليه امتنع منه فعل الإيمان والطاعة ، وإلا لزم انقلاب خبر الله الصدق كذبا ، وانقلاب علمه جهلا وهو محال والوجه الثاني : في الاستدلال بالآية أنه تعالى حكم بأن حقية كلمة العذاب توجب الاستنكار التام من صدور الإيمان والطاعة عنه ، ولو كان ذلك ممكنا ولم تكن حقيقة كلمة العذاب مانعة منه لم يبق لهذا الاستنكار والاستبعاد معنى .
المسألة الثالثة : احتج القاضي بهذه الآية على أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يشفع لأهل الكبائر ، قال لأنه حق عليهم العذاب فتلك الشفاعة تكون جارية مجرى إنقاذهم من النار ، وأن الله تعالى حكم عليهم بالإنكار والاستبعاد ، فيقال له لا نسلم أن أهل الكبائر قد حق عليهم العذاب وكيف يحق العذاب عليهم مع أن الله تعالى قال : { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } ومع قوله : { إن الله يغفر الذنوب جميعا } ، والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.