فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{أَفَمَنۡ حَقَّ عَلَيۡهِ كَلِمَةُ ٱلۡعَذَابِ أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِي ٱلنَّارِ} (19)

ثم ذكر سبحانه من سبقت له الشقاوة وحرم السعادة فقال : { أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ } من هذه موصولة في محل رفع على الابتداء ، وخبرها محذوف ، أي كمن يخاف ، أو فأنت تخلصه أو تتأسف عليه أو شرطية وجوابه قوله { أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ } فالفاء فاء الجواب ، دخلت على جملة الجزاء وأعيدت الهمزة الإنكارية لتأكيد معنى الإنكار ، وقال سيبويه إنه كرر الاستفهام لطول الكلام ، وقال الفراء المعنى أفأنت تنقذ من حقت عليه كلمة العذاب ؟ والمراد بها قوله تعالى لإبليس : { لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ } وقوله : { لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ } وقيل قوله هؤلاء في النار ولا أبالي .

ومعنى الآية التسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه كان حريصا على إيمان قومه فأعلمه الله أن من سبق عليه القضاء وحقت عليه كلمة الله لا يقدر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينقذه من النار ، بأن يجعله مؤمنا ، قال عطاء يريد أبا لهب وولده ومن تخلف من عشيرة النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان .

وفي الآية مجاز بإطلاق المسبب وإرادة السبب ، وتنبيه على أن المحكوم عليه بالعذاب بمنزلة الواقع في النار ، وأن اجتهاده في دعائهم إلى الإيمان سعى في إنقاذهم من النار ، وأصل الكلام : أفأنت تهدي من هو منغمس في الضلال ؟ فوضع النار في موضع الضلال ، وضعا للمسبب موضع السبب لقوة أمره ، ثم عقب المجاز بما يناسبه من قوله تنقذ بدل تهدي فهو ترشيح ،