اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{أَفَمَنۡ حَقَّ عَلَيۡهِ كَلِمَةُ ٱلۡعَذَابِ أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِي ٱلنَّارِ} (19)

قوله : { أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ } في «من » هذه وجهان :

أظهرهما : أنها موصولة في محل رفع بالابتداء وخبره محذوف فقدره أبو البقاء : «كَمَنْ نَجَا » . وقدره الزمخشري : «فَأَنْتَ تُخَلِّصُهُ » قال : حذف لدلالة : «أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ » عليه وقدره غيره : تَتَأسَّفُ عليه ، وقدره آخرون : تَتَخَلَّص منه ، أي من العذاب .

وقدر الزمخشري على عادته جملة بين الهمزة والفاء تقديره ، أَأَنْتَ مَالِكُ أَمْرِهمْ فَمَن حَقّ عليه كلمة العذاب ؟ .

وأما غيره فيدعي أن الأصل تقديم الفاء ، وإنما آخّرت لما تستحقه الهمزة من التصدير . وقد تقدم تحقيق هذين القولين .

الثاني : أن تكون «مَنْ » شرطية وجوابها : «أَفَأَنْتَ » فالفاء فاء الجواب دخلت على جملة الجزاء ، وأعيدت الهمزة لتوكيد معنى الإنكار . وأوقع الظاهر وهو «مَنْ فِي النَّار » موقع المضمر إذ كان الأصل أفأنت تنقذه وإنما وقع موقعه شهادةً عليه بذلك ، وإلى هذا نَحَا الحَوْفِيُّ والزمخشريُّ ، قال الحوفي : وجيء بألف الاستفهام لمّا طال الكلام توكيداً ولولا طولُه لم يجز الإتيان بها لأنه لا يصلح في العربية أن يؤتى بألف الاستفهام في الاسم ، وألف أخرى في الجزاء ومعنى الكلام أفَأنْت تُنْقِذُهُ .

وعلى القول بكونها شرطية يترتّب على قول الزمخشري وقول الجمهور مسألة وهو أنه على قول الجمهور يكون قد اجتمع شرط واستفهام . وفيه حينئذ خلافٌ بين سِيبويِه ويُونُسَ هل الجملة الأخيرة في جواب الاستفهام وهو قول يونس أو جواب الشرط وهو قول سيبويه .

وأما على قول الزمخشري فلم يجتمع شَرْطٌ و استفهام ؛ إذ أداةُ الاستفهام عنده داخلةٌ على جملةٍ مَحْذُوفةٍ عطفت عليها جملة الشرط ولو لم يدخل على جملة الشرط . وقوله : { أَفَأَنتَ تُنقِذُ } استفهام توقيف ، وقدم فيها الضميرُ إشعاراً بأنك لستَ قادراً على إنقاذه إنما القَادِرُ عليه اللَّهُ وَحْدَهُ .

فصل :

قال ابن عباس : معنى الآية من سبق في علم الله أنه في النار . وقيل كلمة العذاب قوله تعالى : { لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الجنة والناس أَجْمَعِينَ } [ هود : 119 ] . وقيل : هي قوله : «هَؤُلاَءِ فِي النَّارِ وَلاَ أُبالي » .

فصل :

احتج أهل السنة بهذه الآية في مسألة الهدى والضلال بقوله : { أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ العذاب } فإذا حقت كلمة العذاب عليه امتنع منه فعل الإيمان والطاعة وإلاّ لزم انقلاب خبر الله الصدق كذباً وانقلاب علمه جهلاً ، وهو محالٌ ، وأيضاً فإنه تعالى حكم بأن حقية كلمة العذاب توجب الاستنكار التام من صدور الإيمان والطاعة منه ولو كان ذلك ممكناً ولم تكن حقية كلمة العذاب ) مانعه منه لم يبق لهذا الاستنكار والاستبعاد معنًى .

فصل :

احتج القاضي بهذه الآية على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يشفع لأهل الكبائر لأنه حق عليهم العذاب فتلك الشفاعة تكون جاريةً مجرى إنقاذهم من النار وأن الله تعالى حكم عليهم بالإنكار والاستبعاد ، وأجيب : بأنا لا نسلم أن أهل الكبائر قد حق عليهم العذاب وكيف يحق عليهم العذاب مع أن الله تعالى قال : { إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلك لِمَن يَشَآءُ } [ النساء : 116 ] وقال : { إِنَّ الله يَغْفِرُ الذنوب جَمِيعاً } [ الزمر : 53 ] .