معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَتِلۡكَ حُجَّتُنَآ ءَاتَيۡنَٰهَآ إِبۡرَٰهِيمَ عَلَىٰ قَوۡمِهِۦۚ نَرۡفَعُ دَرَجَٰتٖ مَّن نَّشَآءُۗ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٞ} (83)

قوله تعالى : { وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه } حتى خصمهم وغلبهم بالحجة ، قال مجاهد : هي قوله : { الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن } ، وقيل : أراد به الحجاج الذي حاج به نمرود على ما سبق في سورة البقرة .

قوله تعالى : { نرفع درجات من نشاء } ، بالعلم ، قرأ أهل الكوفة ويعقوب : { درجات } بالتنوين هاهنا ، وفي سورة يوسف ، أي : نرفع درجات من نشاء بالعلم ، والفهم ، والفضيلة ، والعقل . كما رفعنا درجات إبراهيم حتى اهتدى ، وحاج قومه في التوحيد . قوله تعالى : { إن ربك حكيم عليم } .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَتِلۡكَ حُجَّتُنَآ ءَاتَيۡنَٰهَآ إِبۡرَٰهِيمَ عَلَىٰ قَوۡمِهِۦۚ نَرۡفَعُ دَرَجَٰتٖ مَّن نَّشَآءُۗ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٞ} (83)

ولما حكم لإبراهيم عليه السلام ، بما بين به من البراهين القاطعة قال : { وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ } أي : علا بها عليهم ، وفلجهم بها .

{ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ } كما رفعنا درجات إبراهيم عليه السلام في الدنيا والآخرة ، فإن العلم يرفع الله به صاحبه فوق العباد درجات . خصوصا العالم العامل المعلم ، فإنه يجعله الله إماما للناس ، بحسب حاله ترمق أفعاله ، وتقتفى آثاره ، ويستضاء بنوره ، ويمشى بعلمه في ظلمة ديجوره .

قال تعالى { يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ }

{ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ } فلا يضع العلم والحكمة ، إلا في المحل اللائق بها ، وهو أعلم بذلك المحل ، وبما ينبغي له .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَتِلۡكَ حُجَّتُنَآ ءَاتَيۡنَٰهَآ إِبۡرَٰهِيمَ عَلَىٰ قَوۡمِهِۦۚ نَرۡفَعُ دَرَجَٰتٖ مَّن نَّشَآءُۗ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٞ} (83)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَتِلْكَ حُجّتُنَآ آتَيْنَاهَآ إِبْرَاهِيمَ عَلَىَ قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مّن نّشَآءُ إِنّ رَبّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ } . .

يعني تعالى ذكره بقوله : وَتِلْكَ حُجّتُنا قوله إبراهيم لمخاصميه من قومه المشركين : أيّ الفريقين أحقّ بالأمن ، أمن يعبد ربا واحدا مخلصا له الدين والعبادة أم من يعبد أربابا كثيرة ؟ وإجابتهم إياه بقولهم : بل من يعبد ربا واحدا مخلصا له الدين والعبادة أم من يعبد أربابا كثيرة ؟ وإجابتهم إياه بقولهم : بل من يعبد ربا واحدا أحقّ بالأمن وقضاؤهم له على أنفسهم ، فكان في ذلك قطع عذرهم وانقطاع حجتهم واستعلاء حجة إبراهيم عليهم ، فهي الحجة التي آتاها الله إبراهيم على قومه كالذي :

حدثني الحارث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا سفيان الثوريّ ، عن رجل ، عن مجاهد : وَتِلْكَ حُجّتُنا آتَيْناها إبْرَاهِيمَ على قَوْمِهِ قال : هي الّذِينَ آمَنُوا ولَمْ يَلْبِسُوا إيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ .

حدثني الحارث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا يحيى بن زكريا ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، قال : قال إبراهيم حين سأل : أي الفريقين أحقّ بالأمن ؟ قال : هي حجة إبراهيم . وقوله : وآتَيْنَاها إبْرَاهِيمَ على قَوْمِه يقول : لقناها إبراهيم وبصرناه إياها وعرفناه على قومه . نَرْفَعُ درجاتٍ مِنَ نَشَاءُ .

واختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء الحجاز والبصرة : نَرْفَعُ درجاتٍ مِنَ نَشَاءُ بإضافة الدرجات إلى من ، بمعنى : نرفع الدرجات لمن نشاء . وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة نَرْفَعُ درجاتٍ مِنَ نَشَاءُ بتنوين «الدرجات » ، بمعنى نرفع من نشاء درجات . والدرجات : جمع درجة وهي المرتبة ، وأصل ذلك مراقي السلم ودرجه ، ثم تستعمل في ارتفاع المنازل والمراتب .

والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال : هما قراءتان قد قرأ بكلّ واحدة منهما أئمة من القرّاء متقارب معناهما وذلك أن من رُفِعت درجته فقد رُفع في الدّرجَ . ومن رُفع في الدرج فقد رُفِعت درجته ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب الصواب في ذلك فمعنى الكلام إذن : وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه فرفعنا بها درجته عليهم وشرّفناه بها عليهم في الدنيا والاَخرة فأما في الدنيا فآتيناه فيها أجره ، وأما في الاَخرة فهو من الصالحين ، نَرْفَعُ درجاتٍ مِنَ نَشَاءُ أي بما فعل من ذلك وغيره .

وأما قوله : إنّ رَبّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ فإنه يعني : إن ربك يا محمد حكيم في سياسته خلقه وتلقينه أنبياءه الحجج على أممهم المكذّبة لهم الجاحدة توحيد ربهم ، وفي غير ذلك من تدبيره ، عليم بما يئول إليه أمر رسله ، والمرسل إليهم من ثَبات الأمم على تكذيبهم إياهم وهلاكهم على ذلك وإنابتهم وتوبتهم منه بتوحيد الله تعالى وتصديق رسله والرجوع إلى طاعته ، يقول تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم : تأسّ يا محمد في نفسك وقومك المكذبيك والمشركين بأبيك خليلي إبراهيم صلى الله عليه وسلم ، واصبر على ما ينوبك منهم صبره ، فإني بالذي يئول إليه أمرك وأمرهم عالم التدبير فيك وفيهم حكيم .