نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَتِلۡكَ حُجَّتُنَآ ءَاتَيۡنَٰهَآ إِبۡرَٰهِيمَ عَلَىٰ قَوۡمِهِۦۚ نَرۡفَعُ دَرَجَٰتٖ مَّن نَّشَآءُۗ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٞ} (83)

ولما كان إبراهيم عليه السلام قد انتصب لإظهار حجة{[30179]} الله في التوحيد والذب عنها ، وكان التقدير تنبيهاً للسامع على حسن ما مضى ندباً لتدبره : هذه مقاولة{[30180]} إبراهيم عليه السلام لأبيه وقومه ، عطف عليه قوله معدداً وجوه نعمه عليه وإحسانه{[30181]} إليه ، دالاً على إثبات النبوة بعد إثبات الوحدانية : { وتلك } أي و{[30182]} هذه الحجة العظيمة الشأن التي تلوناها عليكم ، وهي ما حاج إبراهيم عليه السلام{[30183]} به قومه ، و{[30184]} عظمه بتعظيمها فقال{[30185]} : { حجتنا } أي التي يحق{[30186]} لها بما فيها من الدلالة أن تضاف إلينا ، لأنها من أشرف النعم وأجل العطايا { آتيناها } أي بما لنا من العظمة { إبراهيم } وأوقفناه على حقيقتها وبصرناه بها ، ونبه على ارتفاع شأنها بأداة الاستعلاء مضمناً لآتينا وأقمنا ، فقال : { على قومه } أي مستعلياً{[30187]} عليهم غالباً{[30188]} لهم قائمة عليهم الحجة التي نصبها ، ثم زاد في الإعلام بفضله بقوله مستأنفاً : { نرفع } أي بعظمتنا { درجات من نشاء } بما لنا من القدرة على ذلك كما رفعنا درجة إبراهيم عليه السلام على جميع أهل ذلك العصر .

ولما كانت محاجته لهم على قانون الحكمة بالعالم العلوي الذي نسبوا الخلق والتدبير بالنور والظلمة إليه ، وكان في ختام{[30189]} محاجته لهم أن الجاري على قانون الحكمة أن الملك الحق لا يهين جنده{[30190]} فلا خوف عليهم ، وكان قبل ذلك في الاستدلال على البعث الذي هو محط الحكمة ؛ كان الأنسب أن يقدم{[30191]} في ختم الآية وصف الحكمة فقال : { إن ربك } أي{[30192]} خاصاً لنبيه صلى الله عليه وسلم بالمخاطبة باسم الإحسان تنبيهاً على أن حَجبَه{[30193]} الدليل عمن يشاء لِحِكَم أرادها سبحانه ، ففيه تسلية له صلى الله عليه وسلم { حكيم } أي فلا يفعل{[30194]} بحزبه إلاّ ما ظنه به خليله صلى الله عليه وسلم مما يقر أعينهم{[30195]} ، إما في الدنيا وإما في الآخرة وإما فيهما { عليم } فلا يلتبس عليه أحد من غيرهم ، فيفعل به ما يحل بالحكمة .


[30179]:من ظ، وفي الأصل: صحة.
[30180]:في ظ: مقالة.
[30181]:في ظ: إحسانا.
[30182]:سقط من ظ.
[30183]:سقط من ظ.
[30184]:زيد من ظ.
[30185]:سقط من ظ.
[30186]:من ظ، وفي الأصل: يحقها.
[30187]:من ظ، وفي الأصل: مستغلبا.
[30188]:في ظ عاليا.
[30189]:من ظ، وفي الأصل: ختامه.
[30190]:في ظ: عبده.
[30191]:من ظ، وفي الأصل: تقدم.
[30192]:زيد من ظ.
[30193]:في ظ: حجته.
[30194]:زيد بعده في ظ: به.
[30195]:في ظ: عينهم.