البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَتِلۡكَ حُجَّتُنَآ ءَاتَيۡنَٰهَآ إِبۡرَٰهِيمَ عَلَىٰ قَوۡمِهِۦۚ نَرۡفَعُ دَرَجَٰتٖ مَّن نَّشَآءُۗ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٞ} (83)

{ وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه } الإشارة بتلك إلى ما وقع به الاحتجاج من قوله { فلما جن عليه الليل } إلى قوله { وهم مهتدون } وهذا الظاهر ، وأضافها إليه تعالى على سبيل التشريف وكان المضاف إليه بنون العظمة لإيتاء المتكلم و { آتيناها } أي أحضرناها بباله وخلقناها في نفسه إذ هي من الحجج العقلية ، أو { آتيناها } بوحي منا ولقناه إياها وإن أعربت { وتلك } مبتدأ و { حجتنا } بدلاً { وآتيناها } خبر لتلك ، لم يخبر أن يتعلق { على قومه } بحجتنا وكذا إن أعربت { وتلك حجتنا } مبتدأ وخبر و { آتيناها } حال العامل فيها اسم الإشارة لأن الحجة ليست مصدراً وإنما هو الكلام المؤلف للاستدلال على الشيء ولو جعلناه مصدراً مجازاً لم يجز ذلك أيضاً لأنه لا يفصل بالخبر ولا بمثل هذه الحال بين المصدر ومطلوبه ، وأجاز الحوفي أن يكون { آتيناها } في موضع النعت لحجتنا والنية فيها الانفصال والتقدير : وتلك حجة لنا آتيناها انتهى ، وهذا بعيد جداً .

وقال الحوفي : وهاء مفعول أول وإبراهيم مفعول ثان وهذا قد قدمنا أنه مذهب السهيلي ، وأما مذهب الجمهور فالهاء مفعول ثان وابراهيم مفعول أول ، وقال الحوفي وابن عطية { على قومه } متعلق ب { آتيناها } .

قال ابن عطية أظهرناها لإبراهيم على قومه ، وقال أبو البقاء : بمحذوف تقديره حجة على قومه ودليلاً ، وقال الزمخشري : { آتيناها ابراهيم } أرشدناه إليها ووفقناه لها وهذا تفسير معنى ، ويجوز أن يكون في موضع الحال وحذف مضاف أي { آتيناها ابراهيم } مستعلية على حجج قومه قاهرة لها .

{ نرفع درجات من نشاء } أي مراتب ومنزلة من نشاء وأصل الدرجات في المكان ورفعها بالمعرفة أو بالرسالة أو بحسن الخلق أو بخلوص العمل في الآخرة أو بالنبوة والحكمة في الدنيا أو بالثواب والجنة في الآخرة ، أو بالحجة والبيان ، أقوال أقر بها الأخير لسياق الآية ونوّن درجات الكوفيون وأضافها الباقون ونصبوا المنون على الظرف أو على أنه مفعول ثان ، ويحتاج هذا القول إلى تضمين نرفع معنى ما يعدّي إلى اثنين أي نعطي من نشاء درجات .

{ إن ربك حكيم عليم } أي { حكيم } في تدبير عباده { عليم } بأفعالهم أو { حكيم } في تقسيم عباده إلى عابد صنم وعابد الله { عليم } بما يصدر بينهم من الاحتجاج ، ويحتمل أن يكون الخطاب في { إن ربك } للرسول ويحتمل أن يكون المراد به إبراهيم فيكون من باب الالتفات والخروج من ضمير الغيبة إلى ضمير الخطاب على سبيل التشريف بالخطاب .