معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فَٱتَّخَذَتۡ مِن دُونِهِمۡ حِجَابٗا فَأَرۡسَلۡنَآ إِلَيۡهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرٗا سَوِيّٗا} (17)

قوله تعالى : { فاتخذت } ، فضربت ، { من دونهم حجاباً } ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : ستراً . وقيل : جلست وراء الجدار . وقال مقاتل : وراء الجبل . وقال عكرمة : إن مريم كانت تكون في المسجد فإذا حاضت تحولت إلى بيت خالتها ، حتى إذا طهرت عادت إلى المسجد ، فبينما هي تغتسل من المحيض قد تجردت ، إذ عرض لها جبريل في صورة شاب أمرد ، وضيء الوجه ، جعد الشعر ، سوي الخلق ، فذلك قوله : { فأرسلنا إليها روحنا } ، يعني : جبريل عليه السلام ، { فتمثل لها بشراً سوياً } ، وقيل : المراد من الروح عيسى عليه السلام ، جاء في صورة بشر فحملت به . والأول أصح .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَٱتَّخَذَتۡ مِن دُونِهِمۡ حِجَابٗا فَأَرۡسَلۡنَآ إِلَيۡهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرٗا سَوِيّٗا} (17)

{ فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا ْ } أي : سترا ومانعا ، وهذا التباعد منها ، واتخاذ الحجاب ، لتعتزل ، وتنفرد بعبادة ربها ، وتقنت له في حالة الإخلاص والخضوع والذل لله تعالى ، وذلك امتثال منها لقوله تعالى : { وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ* يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ ْ } وقوله : { فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا ْ } وهو : جبريل عليه السلام { فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا ْ } أي : كاملا من الرجال ، في صورة جميلة ، وهيئة حسنة ، لا عيب فيه ولا نقص ، لكونها لا تحتمل رؤيته على ما هو عليه ، فلما رأته في هذه الحال ، وهي معتزلة عن أهلها ، منفردة عن الناس ، قد اتخذت الحجاب عن أعز الناس عليها وهم أهلها ، خافت أن يكون رجلا قد تعرض لها بسوء ، وطمع فيها ، فاعتصمت بربها ، واستعاذت منه فقالت له : { إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ ْ } .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَٱتَّخَذَتۡ مِن دُونِهِمۡ حِجَابٗا فَأَرۡسَلۡنَآ إِلَيۡهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرٗا سَوِيّٗا} (17)

وقوله : { فاتخذت مِن دُونِهِم حِجَاباً } تأكيد لانتباذها من أهلها ، واعتزالها إياهم .

أى : اذكر وقت أن اعتزلت أهلها . فى مكان يلى شرق بيت المقدس ، فاتخذت بينها وبينهم حجابا وساتراً للتفرغ لعبادة ربها .

ثم بين - سبحانه - ما أكرمها به فى حال خلوتها فقال : { فَأَرْسَلْنَآ إِلَيْهَآ رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً } .

أى : فأرسلنا إليها روحنا وهو جبريل - عليه السلام - فتشبه لها فى صورة بشر سوى معتدل الهيئة ، كامل البنية ، كأحسن ما يكون الإنسان .

يقال : رجل سوى ، إذا كان تام الخلقة عظيم الخلق ، لا يعيبه فى شأن من شئونه إفراد أو تفريط .

والإضافة فى قوله { رُوحَنَا } للتشريف والتكريم ، وسمى جبريل - عليه السلام - روحاً لمشابهة الروح الحقيقية فى أن كلا منهما مادة الحياة للبشر .

فجبريل من حيث ما يحمل من الرسالة ألإلهية تحيا ب القلوب ، والروح تحيا به الأجسام .

وإنما تمثل لها جبريل - عليه السلام - فى صورة بشرى سوى ، لتستأنس بكلامه ، وتتلقى منه ما يلقى إليها من كلماته ، ولو بدا لها فى صورته التى خلقه الله - تعالى - عليها . لنفرت منه ، ولم تستطع مكالمته .

وقوله : { بَشَراً سَوِيّاً } حالان من ضمير الفاعل فى قوله { فَتَمَثَّلَ لَهَا } .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَٱتَّخَذَتۡ مِن دُونِهِمۡ حِجَابٗا فَأَرۡسَلۡنَآ إِلَيۡهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرٗا سَوِيّٗا} (17)

اتخاذ الحجاب : جعل شيء يَحجب عن الناس . قيل : إنها احتجبت لتغتسل وقيل لتمتشط .

والروح : الملك ، لأن تعليق الإرسال به وإضافته إلى ضمير الجلالة دلاَّ على أنه من الملائكة وقد تمثل لها بشراً .

والتمثل : تكلف المماثلة ، أي أن ذلك الشكل ليس شكل الملك بالأصالة .

و { بَشَرَاً } حال من ضمير ( تمثل ) ، وهو حال على معنى التشبيه البليغ .

والبشر : الإنسان . قال تعالى : { إني خالق بشراً من طين } [ ص : 71 ] ، أي خالق آدم عليه السلام .

والسويُّ : المُسَوّى ، أي التام الخلق . وإنما تمثل لها كذلك للتناسب بين كمال الحقيقة وكمال الصورة .