{ إِنَّمَا السَّبِيلُ ْ } يتوجه واللوم يتناول الذين{[381]} يستأذنوك وهم أغنياء قادرون على الخروج لا عذر لهم ، فهؤلاء { رَضُوا ْ } لأنفسهم ومن دينهم { بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ ْ } كالنساء والأطفال ونحوهم .
{ و ْ } إنما رضوا بهذه الحال لأن اللّه طبع على قلوبهم أي : ختم عليها ، فلا يدخلها خير ، ولا يحسون بمصالحهم الدينية والدنيوية ، { فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ْ } عقوبة لهم ، على ما اقترفوا .
وبعد أن بين - سبحانه - أحكام أصحاب الأعذار المقبولة ، أتبع ذلك ببيان أحكام الأعذار الكاذبة ، والصفات القبيحة ، فقال تعالى : { إِنَّمَا السبيل . . . . القوم الفاسقين } .
فهذه الآيات الكريمة بيان لما سيكون من أمر المنافقين الذين قعدوا في المدينة بدون عذر ، بعد أن يرجع الرسول صلى الله عليه وسلم إليهم والمؤمنون من تبوك .
والمعنى : إذا كان الضعفاء والمرضى ومن حكمهم ، لا إثم ولا عقوبة عليهم بسبب تخلفهم عن الجهاد ، فإن " السبيل " أي الإِثم والعقوبة { عَلَى الذين يَسْتَأْذِنُونَكَ } في التخلف " وهم أغنياء " أى يمكلون كل وسائل الجهاد من مال وقوة وعدة .
وقوله : { رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الخوالف } استئناف تعليلي مسبوق لمزيد مذمتهم .
أى : استأذنوك مع غناهم وقدرتهم على القتال ، لأنهم لخو قلوبهم من الإِيمان ، ولسوقط همتهم وجبنهم ، رضوا لأنفسهم أن يبقوا في المدينة مع الخالف من النساء والصبيان والعجزة .
وقوله : { وَطَبَعَ الله على قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } بيان لسوء مصيرهم .
أى : وبسبب هذا الإِصرار على النفاق ، والتمادى في الفسوق العصيان ، ختم الله - تعالى - على قلوبهم ، فصارت لا تعلم ما يترتب على ذلك من مصائب دينية ودنيوية وأخروية .
لما نفت الآيتان السابقتان أن يكون سبيلٌ على المؤمنين الضعفاء والمرضى والذين لا يجدون ما ينفقون والذين لم يجدوا حمولة ، حصرت هذه الآية السبيل في كونه على الذين يستأذنون في التخلف وهم أغنياء ، وهو انتقال بالتخلص إلى العودة إلى أحوال المنافقين كما دل عليه قوله بعدُ { يعتذرون إليكم إذا رجعتم إليهم } [ التوبة : 94 ] ، فالقصر إضافي بالنسبة للأصناف الذين نُفي أن يكون عليهم سبيل .
وفي هذا الحصر تأكيد للنفي السابق ، أي لا سبيل عقابٍ إلا على الذين يستأذنونك وهم أغنياء . والمراد بهم المنافقون بالمدينة الذين يكرهون الجهاد إذ لا يؤمنون بما وعد الله عليه من الخيرات وهم أولو الطول المذكورون في قوله : { وإذا أنزلت سورة أن آمنوا بالله } [ التوبة : 86 ] الآية .
والسبيل : حقيقته الطريق . ومرّ في قوله : { مَا على المحسنين من سبيل } [ التوبة : 91 ] . وقوله : { إنما السبيل على الذين يستأذنونك وهم أغنياء } مستعار لمعنى السلطان والمؤاخذة بالتبعة ، شبه السلطان والمؤاخذة بالطريق لأن السلطة يَتوصل بها من هي له إلى تنفيذ المؤاخذة في الغير . ولذلك عُدّي بحرف ( على ) المفيد لمعنى الاستعلاء ، وهو استعلاء مجازي بمعنى التمكن من التصرف في مدخول ( على ) . فكان هذا التركيب استعارةً مكنية رُمز إليها بما هو من مُلائمات المشبه به وهو حرف ( على ) . وفيه استعارة تبعية .
والتعريف باللام في قوله : { إنما السبيل } تعريف العهد ، والمعهود هو السبيل المنفي في قوله تعالى : { ما على المحسنين من سبيل } [ التوبة : 91 ] على قاعدة النكرة إذا أعيدت معرفة ، أي إنما السبيل المنفي عن المحسنين مثبت للذين يستأذنونك وهم أغنياء . ونظير هذا قوله تعالى : { إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم } في سورة الشورى ( 42 ) . فدل ذلك على أن المراد بالسبيل العذاب .
والمعنى ليست التبعة والمؤاخذة إلا على الذين يستأذنونك وهم أغنياء ، الذين أرادوا أن يتخلفوا عن غزوة تبوك ولا عذر لهم يخولهم التخلف . وقد سبقت آية { فما جعل الله لكم عليهم سبيلاً } من سورة النساء ( 90 ) ، وأحيل هنالك تفسيرها على ما ذكرناه في هذه الآية .
وجملة : { رضوا بأن يكونوا مع الخوالف } مستأنفة لجواب سؤال ينشأ عن علة استيذانهم في التخلف وهم أغنياء ، أي بعثهم على ذلك رضاهم بأن يكونوا مع الخوالف من النساء . وقد تقدم القول في نظيره آنفاً .
وأسند الطبع على قلوبهم إلى الله في هذه الآية بخلاف ما في الآية السابقة { وطُبع على قلوبهم } [ التوبة : 87 ] لعله للإشارة إلى أنه طبع غير الطبع الذي جبلوا عليه بل هو طبع على طبع أنشأه الله في قلوبهم لغضبه عليهم فحرمهم النجاة من الطبع الأصلي وزادهم عماية ، ولأجل هذا المعنى فرع عليه { فهم لا يعلمون } لنفي أصل العلم عنهم ، أي يكادون أن يساووا العجماوات .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.